مضت سبع سنوات منذ ذلك اليوم الرهيب في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، عندما قتل الإرهابيون 3000 أميركي، مُطلقين العنان لرد عالمي هائل من قِبَل الولايات المتحدة. وبمشارفة فترة بوش الرئاسية على الانتهاء، يحين الوقت لتقييم حكمة سياساته.
وقعت في العام 2001، حسب وزارة الخارجية الأميركية والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، 531 عملية إرهابية راح ضحيتها 3295 قتيلا. بعد ثلاث سنوات، وفي العام 2004، قفز العدد إلى 651 عملية إرهابية أدت إلى مقتل 1907 أشخاص. في السنة الماضية 2007، تضاعف عدد الهجمات الإرهابية أو أكثر، إلى 14499 عملية أدّت إلى مقتل 22666 شخصا.
لم تنجح حرب الرئيس بوش العالمية على الإرهاب لا في القضاء على الإرهاب العالمي ولا في الحد منه. بدلا من ذلك تسببت هذه السياسة بارتفاع في عدد الحوادث والضحايا. يشكّل هذا الحراك الواسع في الإرهاب ردا مُباشرا على غزو الولايات المتحدة للعراق.
ثبت زيف كل من إستراتيجيتي إدارة الرئيس بوش، وهما الحرب الاحترازية ومعاملة الإرهاب على أنه عمل حربي بدلا من جريمة. وجد استطلاع للجنة من الحزبين من خبراء الإرهاب أجرته مجلة السياسة الخارجية أن 70 في المئة من المستطلعين يؤمنون أنّ الولايات المتحدة تخسر ما يسمّى «بالحرب على الإرهاب».
تسببت الحروب في العراق وأفغانستان بوقوع أكثر من 35،000 إصابة أميركية، منها 4700 قتيل و30،000 جريح.
كما ارتفع عدد قتلى الإرهاب في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا بشكل درامي منذ الحادي عشر من سبتمبر. تقترب أعداد الضحايا من المدنيين في العراق وأفغانستان وباكستان على أيدي الإرهابيين والمتمردين وقوّات الولايات المتحدة وحلف الناتو من المليون قتيل، بحسب بعض التقديرات، ويزيد عدد اللاجئين نتيجة لهذه النزاعات على 3 ملايين نسمة.
وتوصلت دراسة أجرتها مؤسسة راند حديثا لحوالي 648 مجموعة إرهابية سابقة إلى نتيجة أنّ ما يزيد على 43 في المئة منها أنهت نشاطاتها الإرهابية بعد أنْ جرى ضمّها للعملية السياسية، ولم يجر تدمير سوى 7 في المئة منها باستخدام القوة العسكرية، وتم إنهاء 40 في المئة منها من خلال الأعمال الشرطية والمحاكم الجزائية. يظهر هذا التقرير أنّ فكرة «الحرب» في «الحرب على الإرهاب» خاطئة من أساسها.
وقد سعى الطرح السائد بشأن الإرهاب إلى إلقاء لائمة الإرهاب، وخصوصا التفجيرات الانتحارية، على الإسلام لتحويل الأنظار عن التمحيص في الواقع السياسي. وقام روبرت بابي، مؤلف كتاب «التوق للقتل: المنطق الإستراتيجي للإرهاب الانتحاري» بدراسة 462 حالة من الإرهاب الانتحاري بين الأعوام 1980 و2003، وتوصل إلى نتيجة أنّه لا يُوجد رابط بين الإسلام والإرهاب الانتحاري. السبب السائد، حسبما توصّل إليه، هو الاحتلال من قبل قوّات عسكرية أجنبية، وهذه حقيقة أساسية أخرى تجاهلتها استراتيجية بوش بشكل منهجي.
خذ العراق على سبيل المثال، لقد وجد الإسلام هناك منذ 1400 سنة، وعلى رغم نظام صدام حسين الظالم، إلاّ أنّه لم ينتج عن الإسلام هناك أيّ إرهاب انتحاري. لم يبدأ هذا الإرهاب إلاّ بعد الاحتلال الأميركي، وقد بدأ الإرهاب ينحسر هناك بينما يتم استبدال الاحتلال بالحكم الذاتي.
يشكّل المسلمون غالبية ضحايا الإرهاب، بحسب المركز الوطني لمكافحة الإرهاب (50 - 70 في المئة). تقوم هذه الحقيقة وحدها بتقويض أركان فرضيّة أساسية عن «الحرب على الإرهاب»، مفادها أنّ الأزمة القائمة هي صدام للحضارات بين الإسلام والغرب.
كما أدّت ردود إدارة الرئيس بوش إلى بعض النتائج الكارثية لأميركا. وإليك بعض الحقائق القاسية:
جعلت حرب أميركا في العراق من العداء لأميركا سمة مسيطرة على الثقافة العالمية. وقد تحسّنت الأمور منذ العام 2004، ولكن على رغم ذلك، أعطيت الولايات المتحدة في استطلاع عالمي أجرته الـ «بي بي سي» العام 2007 ثالث أكثر المراكز سلبية في العالم (بعد «إسرائيل» وإيران).
لقد عملت «الحرب على الإرهاب» على عزل الحلفاء، وتحطيم الجيش الأميركي تقريبا، وإفشال القدرات الأميركية على التعامل مع الأزمات الدولية، كما يظهر من ردودنا الباهتة على روسيا ومواقفها العسكرية. لم تعد الولايات المتحدة قادرة ببساطة على تأكيد عزيمتها في الخارج.
كما وصل الاقتصاد حدوده. لقد أدت الكلف الزائدة للحرب على العراق، إلى تكبيل قدرتنا على التعامل بفعالية مع أزمات البنية الأساسية والصحة والإسكان والتعليم والطاقة التي تواجهنا.
أصبحت أميركا تحت إدارة الرئيس بوش أمة تعظ بحقوق الإنسان وتمارس التعذيب. أصبحت غوانتانامو وأبوغريب وقانون الوطنية المشهور مواقع عار في حياتنا وتاريخنا.
إلا أنّ هناك بعض الأخبار السارة.
تقوم المحاكم في الولايات المتحدة بالمقاومة لإعادة الحقوق المدنية ورفض الإساءة للامتيازات التنفيذية من قبل الإدارة الحالية.
تبقى أرض الوطن الأميركي، والشكر لله تعالى، سالمة من الهجمات الإرهابية. لقد تسبب الإرهابيون بالموت والدمار، إلا أنهم لم يحققوا أي نجاح باقٍ أو تحولي في أي مكان.
أخذ المد ينقلب ضد التطرف في كافة أرجاء العالم الإسلامي، كما يظهر من عودة الباكستان إلى الديمقراطية، وانتشار الفتاوى الدينية ضد الإرهاب، وتخلي سنة العراق عن دعمهم للقاعدة وغيرهم من المتمردين.
يعمل الفشل الكبير للسياسة على إيقاظ الأميركيين وتوعيتهم بالحاجة؛ لتغيير في السياسة.
أبصر حتى الجمهوريون الذين ساندوا الرئيس بوش في الماضي، النور، وقاموا بترشيح جمهوري انتقدت مواقفه الانتخابية أحيانا الإدارة الحالية، للرئاسة.
يشكل هذا المقال تفكيرا في النقد الذاتي من منظور أميركي. يجب عدم فهم انتقاداتي للسياسات الكارثية لإدارة الرئيس بوش على أنها دعم للتطرّف في العالم الإسلامي. لا أضمر سوى الاحتقار والحقد والاشمئزاز لهؤلاء الذين يقتلون الأبرياء من أجل مكاسب سياسية باسم الله تعالى أو الإسلام.
رغم كل ذلك الضرر الذي تسببت به سياسات الرئيس جورج دبليو بوش السيئة، تبقى الولايات المتحدة أفضل مكان على الأرض يعيش فيه الإنسان حياة فكرية وروحانية ومادية. على رغم ذلك كله فإننا لا نستطيع تحمل سنوات كثيرة إضافية مثل السنوات السبع الماضية.
* مدير الدراسات الإسلامية بجامعة ديلاوير وزميل في معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ