العدد 2509 - الأحد 19 يوليو 2009م الموافق 26 رجب 1430هـ

الفساد السياسي في العراق ظاهرة تمارسها الأحزاب

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

العراق فيه أكثر من 500 حزب وكيان سياسي، يملك «الكبار» منها قنوات فضائية وصحف ومقار حزبية ومؤسسات مدنية واجتماعية تقدر بالعشرات.

وعندما نتحدث عن الأحزاب في العراق، ولا سيما الكبيرة منها، علينا أيضا أن نعرف كيف صارت كبيرة الآن بقدراتها المالية وتعدد مصادر تمويلها الذي لا يتحمله شعب عانى من حصار اقتصادي استمر لثلاثة عشر عاما.

المعروف أن كل الأحزاب العراقية كانت تعيش قبل الاحتلال في ظل دول أخرى، ولم يكن أكبرها يملك جزءا ولو يسيرا مما تتحكم به الآن من مبالغ وموارد مالية وإمكانيات لبناء مؤسسات حزبية تدير وتقود الجماهير في بلد يقدر عدد نفوسه بثلاثين مليون نسمة، وتتنافس عليه مئات الأحزاب.

مناسبة الحديث عن وضع الأحزاب في العراق هو الهجوم الذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل أيام ضد الفساد السياسي، والذي وصفه بأنه أخطر من الفساد المالي والإداري، وهو كلام صحيح يحسب للمالكي لو أنه سعى طوال فترة رئاسته للحكومة غلى إقرار قانون يحد من هذا الفساد، ولاسيما أن الحكومة تعد مصدرا أساسيا في تحريك أو إلغاء أي تشريع برلماني ومن بينها إقرار قانون تنظيم الأحزاب المعطل منذ أكثر من ثلاث سنوات.

مشاكل العراق كثيرة، ولا يمكن حلها كلها مرة واحدة، لكن ترك المهم منها سيضر بالبلد ومستقبل نظامه ويهدد وضعه الأمني وينتقص من استقلاله السياسي، وسيزيد من معاناته معاناة. نقول إن عدم وجود قانون للأحزاب يؤطر عمل المؤسسات السياسية والحزبية تحت مظلة القانون، ويجبرها على التعامل بشفافية في الكشف عن مواردها المالية وطبيعة عملها الحزبي وأهدافها وطريقة بناء مؤسساتها المالية أو الخيرية بشكل يؤسس لبناء دولة ديمقراطية حقيقية لا تتحكم به دول أجنبية، سيظل عقبة كأداء أمام ما يصبو له العراقيون بعد سنين من عدم الاستقرار.

مازلت أتذكر، وربما كثيرون غيري أن لبنة المؤسسات الحزبية في العراق بدأت تتأسس بعد أيام من الاحتلال، وتحديدا عقب انهيار المؤسسات الحكومية عندما تسابقت الأحزاب وميليشياتها ومعهم جماعات إرهابية أيضا على سرقة مؤسسات الدولة العراقية، وكيف كانت الأحزاب تصادر موجودات هذه المؤسسات والمصانع الكبرى لتبيع المنقول منها في السوق السوداء أو خارج الحدود للاستفادة من مبالغها في دعم نشاطها الحزبي، وتحتل غير المنقول من هذه المؤسسات ليكون مركزا لعملها الحزبي. وعندما حاولت أول حكومة معينة، بعد حل مجلس الحكم، إخلاء البنايات الرسمية رفضت معظم الأحزاب هذا القرار واستمر بعضها في مواقعه حتى هذه اللحظة.

صحيح أن العراق الآن يشهد تحشيدا سياسيا وإعلاميا ضد المال السياسي لا يمكن فصله عن واقع «حمى الانتخابات» العراقية التي باتت على الأبواب، لكن هذا لا يعني أن القضية عابرة والحديث عنها يدخل في إطار الحملات الانتخابية فقط، فالفساد في العراق بكل أنواعه ومن بينه السياسي أصبح ظاهرة تقف السلطة عاجزة عن وصف حلول سريعة لها، بعد أن عجز الدستور المقر في العام 2005 والذي أكد في المادة 67 بضرورة سن قانون ينظم تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها، في أن يدفع البرلمان أو الحكومة إلى إقرار القانون.

إن موضوع سن قانون تنظيم الأحزاب ضرورة يحتمها العمل الديمقراطي، وأن الاستمرار في تأجيل سن مثل هكذا قانون كل هذه الفترة قد يثير أسئلة عديدة بشأن مستقبل العمل الحزبي والسياسي في العراق، فالأحداث الماضية أثبتت أن بعض الأحزاب والكيانات السياسية الموجودة حاليا في البرلمان لديها قوات عسكرية غير نظامية وميليشيات حزبية، وأن بعضها يملك معتقلات خاصة تعمل خارج إطار القانون وبعيدا عن أعين الدولة، وهذا كله يتعارض مع العمل السياسي في النظم الديمقراطية، كما أن الاستمرار في عدم وجود قانون للأحزاب له مردودات سلبية واسعة لمعادلتي سلطة القانون والدولة على المستويين القريب والبعيد، على الرغم من مردوده الإيجابي بالنسبة إلى الأحزاب المهيمنة على البرلمان والمؤسسات الرسمية على المدى القريب على الأقل، فالعراق الآن يعيش شكلا آخر من أشكال الفساد يتمثل في استغلال المناصب الرسمية للحصول على مكتسبات فردية في غطاء حزبي وانتخابي، وإن كان ذلك يتم في أغلب الأحيان بعلم الدولة وبمشاركتها دون أن يكون للقانون كلمة في هذا الخرق، فأصحاب المناصب الرسمية صاروا في ظل عدم وجود قانون منظم يؤسسون أحزابا مع الاستمرار في عملهم الوظيفي، وهذا ما حصل في انتخابات مجالس البلدية الأخيرة.

لا ندعي هنا أن قانون تنظيم الأحزاب في العراق هو الأهم من بين قوانين أخرى مصيرية، أو أنه سينهي ظاهرة الفساد السياسي المستشرية في البلد، لكنه بالتأكيد لن يقل أهمية عن غيره من القوانين، ولاسيما أن العمل الحزبي غير المؤطر بقانون يفسح المجال أمام استمرار الفساد وتهديد مصالح البلد، عبر قيام أحزاب بتنفيذ أجندات غير وطنية لصالح جهات خارجية مقابل أثمان أو تسهيلات تقدم هنا أو هناك، وهذا أمر متوقع أمام ما نشاهده من واجهات إعلامية ومؤسسات «خيرية» وميليشيات مسلحة تمتلكها أحزاب نافذة. فمن أين لهذه الأحزاب كل هذه الأموال التي مولت بها حملاتها الانتخابية السابقة، إذا ما عرفنا أن الدولة لا تمنح أي حزب أو كيان سياسي أية مبالغ في ظل عدم وجود قانون منظم؟

ومن أين لهذه الأحزاب مبالغ تمكنها من دفع مئات آلاف الدولارات أو ربما ملايين سنويا لحجز حزم في أقمار صناعية لتمكنها من بث قنواتها الفضائية، وخصوصا أن بعض الأحزاب يملك نحو ثلاث قنوات فضائية أو أكثر منذ سنوات، وأن هذه القنوات بحاجة إلى أجهزة تقنية والعديد من الكوادر الفنية والإعلامية القادرة على إدارة العمل بشكل مهني، بالإضافة إلى الصحف الممولة حزبيا وما تتطلبه من مقار وإمكانيات طباعية وكوادر إعلامية وفنية، مع العلم بأن معظم الصحف الصادرة في العراق وعددها نحو 200 صحيفة هي حزبية أو ممولة منها، وأن هناك نحو 35 قناة فضائية، عدا القنوات «الأرضية» والإذاعات المحلية مملوكة معظمها لأحزاب؟

أسئلة قد تحمل معها إجاباتها، فالتمويل الخارجي قائم و»الفساد السياسي» مستمر، وسيبقى هكذا مادامت الأحزاب النافذة مستفيدة من غياب قانون ينظم عملها، ولاسيما أن الانتخابات على الأبواب، حتى وإن كان أحد أركان أية عملية ديمقراطية حقيقية.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2509 - الأحد 19 يوليو 2009م الموافق 26 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً