العدد 2509 - الأحد 19 يوليو 2009م الموافق 26 رجب 1430هـ

هاشمي رفسنجاني... نادر الظهور ودائم الحضور

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نظرية إيرانية داخل إيران تُفيد: بأننا مع هاشمي رفسنجاني ضد أحمدي نجاد، ومع نجاد ضد مير حسين موسوي، وضد موسوي لصالح الثورة، ومع الثورة ضد الولايات المتحدة ودول أوروبية.

في خطبة الجمعة الأخيرة التي أمّها في جامعة طهران رئيس مجلس خبراء القيادة ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني حَصحَصَ الرجل أزمة الداخل في جزئها التالي.

في جزئها الأول تَرَكَ رفسنجاني الأمر للمرشد الأعلى للثورة آية الله السيد علي خامنئي لحسمه القضية دستوريا وقانونيا، فأسدل الستار عن أيّ حديث ينتصر إلى غير مؤسسات الدولة وشرعيتها والقوة المعنوية الناتجة عنها.

وفي الجزء التالي من الأزمة وقف هاشمي رفسنجاني موقفا حدّد من خلاله سقف الجزء إلى ما دون موضوع نتائج الاقتراع وشرعيّة الحكومة النّجاديّة الثانية، جاعلا من ذلك الجزء مفروزا في الصدى المسموع لأحداث الشارع بعد إعلان النتائج النهائية فقط.

لقد كان موقفه مُحاكيا لأوزان الدولة ومناشطها الدستورية والحزبية، وأيضا لـ «كرونولوجية» الأزمة الداخلية (تسلسلها الزمني). وربما كان ذلك مقصودا لكي يضمن أفضل أنواع المقاربات السياسية وأنجعها.

في تحليل الخطاب والاتصال الذي قدّمه الشيخ رفسنجاني خلال خطبة الجمعة أمر في غاية الأهمية إذا ما أرِيد له أن يُرَى بشكل واضح وموضوعي، لذا آثرت أن أقرأ الخطبة من خلال عدد من الملاحظات:

أولا: قَرّر هاشمي رفسنجاني أن ينحاز إلى القيادة العليا (المُرشد) عندما دعا الإصلاحيين إلى أن «يتقيّدوا بالدستور في حلّ خلافاتهم سواء شاؤوا ذلك أم أبوا» وبالتالي هو أراد تجاوز مرحلة الاعتراف بنتائج الانتخابات وبالحكومة الحالية من عدمها.

وهي إشارة ورسالة في نفس الوقت تفيد بأن دوره في الأزمة يأتي بعد هذا الخط وليس قبله، وتحت المؤسسات وليس بعدها، وبالتالي فإن توصيف حديثه لا يقلّ عن مبادرة ولا يزيد على نُصح.

ثانيا: حاول رفسنجاني أن يكون خطابه متناغما مع المُرشد عندما تجنّب تصوير ما يجري بين الأفرقاء على أنه خلاف بين الثورة وأعدائها حين قال «إيران الآن في أشد الحاجة إلى الوحدة، لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها ونحن أعضاء في عائلة واحدة».

وهو ما قاله المرشد الأعلى في التاسع عشر من يونيو/ حزيران المنصرف خلال خطبة صلاة الجمعة أيضا عندما قال «ليس المعركة بين النظام وخارج النظام، ولا هي بين الثورة وأعداء الثورة، الاختلاف بين شخصيات داخل النظام».

ثالثا: قدّم رفسنجاني رؤية قريبة جدا من المرشد حين قال «إن إثارة الشكوك أثناء الحملة الانتخابية أسوأ مشكلة واجهها المجتمع»، وهو بذلك يُحاكي ما قاله المرشد بأنه قد «طُرِحَت اتهامات خلال المناظرات لم تُثبت في مكان ما، وتمّ الاعتماد على شائعات وأحكام غير مُنصفة».

وقد أراد رفسنجاني من ذلك سحب نفسه من مسطرة الأحزاب بمحافظيها وإصلاحييها نحو فضاء أكثر اتساعا قد يُتيح له مساحة أكبر للتعاطي مع الجميع، ومن نقطة غير مُختَلَف عليها كثيرا.

رابعا: حاول هاشمي رفسنجاني أن لا يُقدّم رؤيته على شكل نهايات وإسقاطات شخصية أو دستورية، وإنما حَرصَ على تقديمها على شكل «مقترحات» قابلة للرفض والقبول والجرح والتعديل.

وهو بذلك يُخفض الجناح إلى المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي في موضوع الفرض والإلزام باعتباره صاحب الكلمة الفصل، ومُخوّلا قانونيا طبقا للمادة 110 من الدستور، وأيضا يُعطي لنفسه ولمبادرته احتمالات المعارضة من الطرفين أو أحدها.

خامسا: راعى رفسنجاني اختيار المسافة الضرورية بينه وبين الأطراف والتي من خلالها يستطيع أن يشرب رأسا من زجاجة أيّ حلّ يُمكن الوصول إليه. فأعطى المحافظين جزءا مما أرادوه حين تحدّث عن الأعداء ودسائسهم، وأعطى الإصلاحيين ذات المقدار حين تحدّث عن إطلاق سراح المعتقلين وحريّة الصحافة.

وقد تعضّد ذلك بحضور طرفي الأزمة خلال خطبة الجمعة. فمن جهة حضر كروبي وموسوي وخاتمي ومجيد أنصاري عن الإصلاحيين بشتّى أطيافهم، وحضر حسن روحاني ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي وناطق نوري رئيس مكتب التفتيش في مكتب المرشد، وإمامي كاشاني عضو مجلس الخبراء والدستور والتشخيص ورضا باهونار نائب رئيس البرلمان عن المحافظين.

سادسا: حاول رفسنجاني أن يستقوي بآراء مراجع التقليد في مدينة قم ويُذكّر بشأوِهِم ومكانتهم الرّمزيّة. وهو في ذلك يرمي إلى استدعاء تصريحات آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الذي اعتبر صلاة الجمعة في طهران بإمامة رفسنجاني بأنها حساسة وتحظى بأهمية خاصة، داعيا إلى عدم تسميمها «بشعارات تثير الفرقة، وأن لا يتحول الاختلاف في الرؤى إلى عداوة».

وللعارفين فإن الشيخ المكارم هو أحد أهم مراجع الدين النافذين والمؤيّدين بقوة لنظام الحكم في إيران، ولديه علاقة عضوية مع شيوخ التيار المحافظ، وأستاذٌ لعدد كبير من منتسبي مجلس خبراء القيادة والسلطة القضائية.

سابعا: أراد هاشمي رفسنجاني بهذا الخطاب الانتقال من «ثقافة الحشود» إلى «ثقافة الجمهور» حين نقل المسار من التماثل النفسي والاتصال العضوي القائم على التجمّعات ولغة الشارع إلى الاعتماد على وسائل تليق بالحلول السياسية من وسائل نقل ونشر وتنشئة اجتماعية حسب تعبير ماتلار.

فتضخّم العواطف وهيمنة التفكير الجمعي غير المُنضبط الذي يُولّده الشارع لن يُؤدّي إلى الإيقاع بالأزمة أو الإمساك بها. لذا فهو أراد ترجيح الجمهور المُنَشّأ بإحكام ووفق حسابات السياسة ومدنية الأجواء التي تفرزها، وهي رسالة أيضا إلى الإصلاحيين.

ثامنا: حاول رفسنجاني أن يقيم عقد سياسي جديد بين الجميع، فتُرَمّم من خلاله الجبهة الأصولية المحافظة التي ينتمي إليها، وتستطيع القوى المعتدلة في داخل الإصلاحيين أن تتواصل مع خصومها بقليل من التناقضات.

لذلك فقد اعتمد الرجل لغة تصالحية وتقريبية جدا، مُرحّلا في الوقت نفسه جردة حسابه الشخصي مع الذين أهانوه وشوّهوا سمعته خلال الانتخابات، ومُقرّبا خطابه من خطاب المرشد الذي قال قبلا «كل الذين صوّتوا لهؤلاء الأربعة (المترشّحين) ينتمون لداخل جبهة الثورة وللنظام، أربعون مليون منحوا أصواتهم لخط الثورة».

على أيّة حال فإن خطبة رفسنجاني قد لا تحظى بإجماع كما رأينا في موقف بعض المحافظين، لكنها بالتأكيد قادرة على تأسيس أرضية مشتركة، على الأقل فيما يتعلّق بتشكيل الحكومة، وهو ما ستفسّره الأيام القادمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2509 - الأحد 19 يوليو 2009م الموافق 26 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:45 ص

      الفساد المالي

      لماذا لا تكتب لنا مقال عن الفساد المالي في ايران لتكشف لنا ما هو حقيقي من ما هو اشاعة فكم فتكت الاشاعة بشريف و كم رفعت الاشاعة من وضيع. خصوصا و ان البعض يتكلم عن فساد قيادات ايرانية بصورة المسلمات.

    • زائر 2 | 11:52 ص

      sawsansawsan@hotmail.com

      نتمنى من رفسنجاني ألا يكون مطية يستعملها بعض الاصلاحيين

    • زائر 1 | 3:17 ص

      ثعلب السياسة ولكن!!

      رفسنجاني ثعلب السياسة كما وصفه أعداءه
      ولكن هيبته ومكانته كأب من أباء الثورة تأثرت وتراجعت كثيراً وربما كان فساد أبناؤه بأموال الجمهورية واستغلالهم لمكانة أبيهم ومكانته فيها له الدور الاكبر في تراجع نفوذ رفسنجاني في ايران الجمهورية.

اقرأ ايضاً