العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ

الدروس الخصوصية الخلل الاقتصادي والخطر التربوي (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما نقصده بالخلل الاقتصادي، يتمظهر في الجوانب السلبة التالية:

1. تشويه التنمية الاقتصادية، من خلال تعزيز الأمراض الاقتصادية التي يعاني منها مجتمع معين، وعلى وجه الخصوص معدلات التضخم، وإذا أخذنا لبنان نموذجا سنجد أن سجل مستوى تضخم الأسعار الصادر عن إدارة الاحصاء المركزي يعترف صراحة أن «لم يسجل بند التعليم أي تغيير لشهر يوليو/ تموز، بالمقارنة مع شهر يونيو/ حزيران، الذي سجل زيادة بلغت نسبتها 0.1 في المئة، بسبب ارتفاع كلفة الدروس الخصوصية، علما بأن بداية العام الدراسي المقبل ستدل بوضوح على معدلات التغيير في مستوى أسعار التعليم». يشاطر هذا الرأي أحد كتاب صحيفة الجزيرة السعودية هلال القرشي، الذي ينقل عن اقتصاديين قولهم إن «الدروس الخصوصية ضليعة في مشكلة التضخم، فالارتفاع المفرط لأسعار الدروس الخصوصية يعد أحد عوامل ضلوعها في زيادة التضخم، فالدروس إن كانت أسعارها مناسبة تسبب أيضا تضخما يعاني منه المواطن».

2. تشكيل عبء ثقيل يرهق موازنة الأسر، بما فيها تلك التي تنتمي إلى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، حتى في الدول النفطية الغنية مثل السعودية، إذ يؤكد موقع «إيلاف» أنه على رغم انخفاض «أسعار الدروس الخصوصية لتواكب موجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها معظم دول العالم، والذي وصل إلى 15 في المئة عمّا كان عليه السعر سابقا، لكنه لا يزال يشكل للكثير من الأسر عبئا ماليا يثقل كاهلهم». وتستحوذ الدروس الخصوصية، التي يشتكي منها المواطن السعودي محمد الفريجي، على «أكثر من 40 في المئة من إيرادات الأسر السعودية خلال فترة الاختبارات».

أما محمد بن عبدالله الشريف، من موقع «الاقتصادية الإلكتروينة»، فيصدمنا، بعد عملية حسابية تقديرية بأن الدروس الخصوصية تنهب «ما لا يقل عن ستة مليارات ريال، يتم اقتطاعه من موازنات نفقات الأسر».

أما الخطر التربوي فيتمثل في المحاور التالية:

1. الخلط بين مفهوم «التعليم الخاص» و»الدروس الخصوصية»، حيث يعتبرهما البعض شيئا واحدا، في حين أنهما أمران مختلفان، فبينما يعكس الأول مبادرة مجموعة مختارة من أبناء مجتمع معين للمساهمة في حل مشكلات النقص في عدد المدارس الحكومية، أو التميز في مناهج تربوية معينة، يعبر الثاني عن خلل في السلوك التربوي لمجموعة من المشاركين في العملية التربوية من أساتذة ومعلمين. لذا وبينما يرفد الأول مساعي تطوير التعليم في بلد ما، يساهم الثاني في تشويهها إن لم يكن تدميرها. على أنه لابد من التأكيد هنا على أن الإشارة إلى هذا الفارق لصالح التعليم الخاص، لا يعني خلو هذه الأخير من المشكلات التي ينبغي معالجتها.

2. تحول «الدروس الخصوصية» إلى ما يشبه «صكوك ضمان» الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى، بما في ذلك القبول في الجامعات والكليات. وأخطر ما في الأمر هو رسوخ حقيقة أن «نيل المجموع المؤهل لدخول الكليات المميزة كالطب والهندسة» رهن بتلقي الدروس الخصوصية، في أذهان الآباء قبل التلامذة أو الطلبة.

الأدهى من ذلك، هو أنه في المرحلة الجامعية في بعض البلدان العربية، يصر أستاذ المادة المقررة على أن يكون هو، دون سواه، مؤلف كتابها، الأمر الذي يضع الطالب أمام خيار واحد لضمان النجاح، نظرا لاعتماد المدرس على نسبة عالية من دخله على مبيعات ذلك الكتاب.

3. سيطرة كون الدروس الخصوصية جزءا لا يتجزأ من الخطة الاستراتيجية للتعليم، على تفكير القائمين على العملية التعليمية، الذين بات بعضهم يعول كثيرا على فصول الدروس الخصوصية، بدلا من صفوف المدارس الحكومية أو حتى المدارس الخاصة، في رفع معدلات النجاح أو مستويات أداء الطلبة. وبفضل ذلك، تحولت العلاقة بين المدرسين والإدارات المدرسية إلى ما يشبه تلك التي تسود عصابات المافيا، من حيث تمهيد الطريق، وغض الطرف، وتوزيع الطلبة، وأخيرا اقتسام الحصص المالية.

4. قبول الطلبة أنفسهم، بمسلمة أن الدروس الخصوصية، هي الحل السحري لكل مشكلات الفهم والاستيعاب، ومن ثم الأداء التعليمي لديهم. الأمر الذي حوّل الفصول الدراسية إلى حجر ترفيه غير سوية، تفقد هذا القسم من الطلبة قدرتهم على السلوك التربوي والتعليمي الصحيح، وتحرم القسم الآخر ممن لايملك القدرة المالية على الانضمام إلى صفوف الدروس الخصوصية، من تلقي الحد الأدنى من العملية التعليمية التي يفترض أن توفرها له مدارس الدولة.

5. تدهور القيمة المعنوية الراقية للعلاقة بين التلميذ والمدرس، التي تتدنى من مستواها الأخلاقي التربوي العالي، إلى علاقة تجارية محضة، يتحول فيها المدرس، إلى ما يشبه الموظف لدى التلميذ الذي يتلقى على يديه الدروس الخصوصية.

محصلة كل ذلك، وعلى مستوى الدولة، تفشي الكثير من أمراض الفساد في المجتمع، بما فيها عمليات مثل الرشوة، والمحسوبية، المر الذي من شأنه، شل صناعة التربية والتعليم تماما وتجريدها من أية قدرات على المساهمة الفعالة في محيطها التنموي. أما انعكاس ذلك على مستوى الأفراد فهو دفع الطلبة إلى عدم التركيز في الفصول، والاتكال على الدروس الخصوصية، وإضعاف قنوات متابعة أولياء الأمور لأبنائهم الطلبة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً