العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ

مؤتمر «فتح»... والانتفاضة المنتظرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تأخرت حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) كثيرا في التحضير لعقد مؤتمرها التنظيمي العام السادس. فهذا المؤتمر كان يجب أن يعقد منذ سنوات، وأن يتكرر انعقاده دوريا كل أربع أو خمس سنوات لتجديد الحياة وتنشيط الأعصاب حتى تستمر الحركة في حال انتباه دائم للتحولات والمتغيرات واستقبال الأجيال.

التأخر حصل لأسباب كثيرة منها الظروف الأمنية والضغوط السياسية والتهديدات الإسرائيلية والانشغال بصراعات جزئية ومواجهات مفروضة مع الأنظمة والأجهزة على أنواعها. كل هذه الأسباب صحيحة ولكنها ليست كافية للتذرع بها والتهرب من مسئولية عدم تقدير المواقف السلبية التي ستنجم عن تداعيات التأخير والتسويف والمماطلة.

عدم الاكتراث لأهمية انعقاد المؤتمرات العامة بصيغة دورية أدى إلى خسارة «فتح» الكثير من الطاقات الشابة خلال حقبة من الزمن، فانتهى أمرها مع الأيام إلى تكرار الصورة النمطية للحركة وانغلاقها وعدم الاستمرار في استيعابها للجديد الذي أخذ يجتاح الساحة الفلسطينية ومحيطها الإقليمي. خسرت «فتح» حلقات من الأجيال تمتلك حيوية وتحتضن تطلعات حين أقفلت أمامها قنوات الاتصال فاتجهت تلك الموجات الشبابية للبحث عن بدائل سياسية وتنظيمية وقوى ايديولوجية صاعدة. وشكل التردد نقطة ضعف أساسية في علاقات «فتح» الداخلية حين تحولت إلى مجموعة أجهزة تتعايش تحت «مظلة» أخذ الزمن يضرب بنيتها ويعطل عليها إمكانات الفعل والتفاعل. فالمظلة التي انطلقت في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات كانت تضج بالحياة والنشاط والحيوية ثم أخذت تضمر وتترهل وتتكاسل باعتمادها الكلي على قوة مخزون الجيل الأول والمؤسس.

الجيل المؤسس للحركة أخذ المبادرة ونجح في تصعيد «فتح» إلى الواجهة وتحولت إلى فصيل مركزي لا ينافس وقوة جذب تتجمع حولها طاقات طموحة ومستعدة للتضحية في سبيل القضية. وبسبب قوة الجيل الأول وعنفوانه أصبحت فلسطين نقطة تقاطع عربية ودولية ولم تعد ورقة مهملة يتم تذكرها أو استخدامها وقت المناسبات.

ساهمت «فتح» في إعادة إنعاش الذاكر ولعبت ذاك الدور المركزي في تنشيط نظريات المقاومة والكفاح المسلح وحرب التحرير وحق العودة وبناء دولة وغيرها من مفاهيم أعطت الزخم لقضية منسية كادت أن تضيع في أروقة الأمم المتحدة.

كل هذه الإيجابيات لا تنتسى لأنها تشكل مجموعة وقائع يصعب تجاهلها أو التخفيف من وقعها على جيل الشباب في الستينات والسبعينات. «فتح» آنذاك كانت القدوة والمثال والنموذج وعلى أساس برنامجها تحركت الكثير من السواعد والعقول فاشتغلت آليات الذاكرة وأخذت تبتكر الوسائل والأدوات والمعدات لنقل الفكرة من النظرية إلى التطبيق.

بعد هذه المرحلة الخصبة دخلت «فتح» في طور الضمور أو على الأقل عدم التقدم فأخذت تتخلف وتتراجع وتكرر خطواتها وخطابها وكأنها اكتفت بذاتها ولم تعد تستطيع استيعاب المزيد. الشعور بالإشباع كان بداية النزول لأنه شكل نقطة تأخر في إعادة القراءة واستيعاب المستجدات التي أخذت تضرب موجاتها محيط المنطقة.

طور الجمود

من نهاية السبعينات دخلت «فتح» طور الجمود إلا أن الحركة استمرت تقود وتنهض مستفيدة من المخزون الهائل الذي نجح الجيل المؤسس في تجميعه. ولكن نمو التطورات أخذ يتجاوز رويدا «فتح» التي بالغت في الاعتماد على رصيدها التاريخي وقوتها الخاصة في توليد طاقات ذاتية تستطيع التعامل مع المغيرات.

خلال ثلاثة عقود حصلت الكثير من التحولات وتبدلت الوجوه وتحركت الأزمنة. الشاب أصبح كهلا والطفل أصبح شابا. «فتح» حافظت على مواقعها وأمكنتها من دون منافس في الدار إلا أنه تأسست إلى جانبها وفي هامشها وعلى جوارها الكثير من مراكز القوى الشابة والقادرة على الكسب في مناطق ضعفها وتلك الحقول التي ترددت في الاقتراب منها.

تأخر حركة التحرير في مد شبكة الاتصال وقنوات التواصل أعطى فرصة للفصائل المنافسة (الإسلامية تحديدا) للنمو والتقدم واستيعاب الجيل الفلسطيني الذي نهض في لحظة إحساس «فتح» بالقوة والشعور بالإشباع وعدم الحاجة للمزيد. والحركة السياسية (أي حركة سياسية) حين تصل إلى هذا الطور من الوعي المتضخم تبدأ بالضمور والتراجع بسبب عدم قدرتها على التفاعل والتكيف وبالتالي الاكتفاء بالتكرار والتماهي مع الماضي وأخيرا الانجرار نحو التكلس الأيديولوجي والترهل السياسي.

من ينظر إلى وجوه قادة «فتح» يلاحظ بسرعة تلك الفجوة الزمنية بين الحاضر والماضي. فهؤلاء قادوا في نهاية الخمسينات وصولا إلى نهاية السبعينات أهم حركة تنظيمية شهدتها المنطقة العربية. الآن وبعد تأخر دام نحو جيل أخذ هؤلاء القادة يبحثون عن بدائل تعوض تلك الخسائر الناتجة عن نمو الفجوة الزمنية. فالسلسلة انقطعت حلقاتها بسبب التردد والتسويف والمماطلة في عقد مؤتمرات عامة دورية ومنتظمة تستقبل الطاقات الشابة والحيوية الوافدة من كل صوب. وانقطاع الحلقات أضعف السلسلة ومنع رفد الحركة بالقوى الفاعلة القادرة على تجديد الدماء وتحصين الحماية وتطوير الأفكار وتنشيطها من خلال ربطها بحركة الواقع. «فتح» الآن تراجعت عن موقعها السابق ولم تعد ذاك الفصيل المركزي القادر على «الحل والعقد» كما كان أمره قبل حقبة من الزمن. فالحركة لا تزال تعيش على أمجاد وبطولات الجيل المؤسس بينما المطلوب إعادة هيكلة الأطر التنظيمية واستيعاب الروافد من مختلف الجهات حتى تستعيد حيوتها وموقعها ودورها ووظائفها.

تأخرت «فتح» كثيرا في التحضير لعقد مؤتمرها السادس، فهناك الفوات الزمني والفجوة بين الأجيال والحلقات المقطوعة في تتابع السلسلة. وهذا الأمر يتطلب فعلا انتفاضة تولد المزيد من الجهود لإعادة إنتاج تلك الروابط التي تعيد جمع الشمل من جانب وتفتح باب الدار لاستقبال الوافدين من جانب آخر.

التأخر أصبح من الماضي لأن مشهد الصورة يكشف عن الصدأ والتكاسل والترهل بسبب إغلاق أبواب القلعة عن المحيط وأقفال نوافذها على الخارج. إلا أن «فتح» تمتلك ذاك التاريخ وما يتضمنه من رصيد معنوي ورمزي لاتزال عنده القدرة على الضخ والعطاء وكسر الجمود والأعطال والبدء في الاستعداد للتطور والقابلية للتجديد وإعادة الحيوية للشرايين التي تعرضت للانسداد الذهني.

هناك جيل كامل خسرته «فتح» فخرج عنها أو منها وذهب باتجاهات أخرى. الآن هناك جيل آخر ينتظر موعد انعقاد المؤتمر السادس. فهل تنجح في جذبه وكسبه لإعادة تنشيط دورها ووظائفها؟ الموعد ليس بعيدا... وننتظره

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً