إن تناول الجانب الثقافي من زاوية الحفاظ على الموروث الشعبي يعد من القضايا المهمة التي تحدث فيها مثقفون وأكاديميون، وهنا سنحاول الولوج إلى هذا الموضوع من خلال فعاليات مهرجان صيف البحرين «تاء الشباب».
لا شك أن المحافظة على التراث الشعبي تعتبر محافظة على الهوية والشخصية التي تميزنا عن غيرنا، وقد نكون في عصرنا الحاضر أكثر حاجة إلى التأكيد على تراثنا الشعبي البحريني في ظل التغيرات العصرية والهجمة الغربية على مناهجنا وثقافتنا الإسلامية والعربية.
إذن الحفاظ على الموروث الحضاري ليس مقتصرا على بناء منزل قديم هنا وترميم مبنى قديم هناك على رغم أهميتهما، وهنا نقول لكل مجتمع من المجتمعات موروثه الشعبي الذي يعتبر أحد ركائزه الاجتماعية والذي يميزه عن غيره من الجماعات حتى في البلد الواحد، إننا في مملكة البحرين نتمتع بتنوع التراث الشعبي لدينا على الرغم من صغر مساحة المملكة وهذا يرجع إلى طبيعة العادات والتقاليد.
إن الحفاظ على تراثنا الشعبي إنما هو حفاظ على هويتنا وشخصيتنا التي تميزنا عن غيرنا، كما أن إعادة إحياء تلك الفنون في المناسبات الوطنية أو الترفيهية التي تتبناها وزارة الثقافة والإعلام تلعب دورا مهما في الحفاظ على موروثنا الشعبي من خلال تصميم ورسم وتصوير النماذج الشعبية، وخصوصا تلك التي اندثرت وقل استعمالها في الزمن الحالي، إننا في هذا العصر الذي اتسم بالتغيرات الجديدة في كل شيء ينبغي علينا المحافظة على تراثنا الشعبي، وأن نقف ضد كل ما يهدد هويتنا وثقافتنا وعاداتنا المتوارثة.
إن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة يؤثر بعضه في الآخر تحت ما يسمى بالعولمة وهذه المقولة التي تتردد على لسان المسئولين كلما جاء الحديث عن الثقافة. إن العولمة التي تسعى إلى سلخنا من عاداتنا وقيمنا العريقة بالتأكيد هي غير مرحب بها، بل يجب علينا حكومات كانت أو أفرادا أن نقف ضدها ومجابهتها، وإحدى هذه الوسائل هى المحافظة والرجوع إلى تراثنا الشعبي الذي كان أساس حياة آبائنا وأجدادنا في كل مناحي حياتهم اليومية، في الزينة واللباس والقصص والأشعار والأمثال وفي الرقصات والفنون الغنائية والألعاب الشعبية وغير ذلك كثير. والسؤال هنا هو: هل المسئول يعي هذا المورث الشعبي الذي نعتز به؟ وهل هذا الموروث جزء من خطة الوزارة؟ إذا كان الجواب نعم، لماذا إذا اقتصر البرنامج السياحي لمهرجان صيف البحرين الذي نقدر أهدافه الشبابية، على فرقة رقص سورية ومطربة مصرية وأخرى مغربية وثالث بريطاني، إلى جانب 5 فرق موسيقية وغنائية أخرى من إسبانيا وأميركا وتركيا وكوبا؟.
نحن هنا لا ندعو الى الانغلاق، أو الانتقاص من إمكانيات هؤلاء الفنانين والفرق الموسيقية الأخرى، لكن من حقنا أن نسأل: أين فنوننا الشعبية؟ ولم لم تدرج من ضمن الشق السياحي؟ ألا تستحق أن نقدمها لأبنائنا؟ خصوصا وأن الفنون الشعبية تمثل التحام الأفراد داخل المجتمع وارتباطها بالأرض التي يعيشون عليها وتلبية لاحتياجاته.
إذا ما أردنا المحافظة وحماية تراثنا الشعبي من الضياع، فإننا يجب أن نواجه عددا من التحديات والتي منها استعمال وسائل الإعلام للموروث الشعبي بما يخدم مصلحتنا. ويجب الحذر من التطورات العصرية الحديثة وتأثير الدول صاحبة الثروات والتقدم العلمي والإعلامي على المجتمعات الصغيرة وتحويلها إلى مجتمعات مقلدة للأجنبي.
إن عدم ارتباط الناس والناشئة على وجه الخصوص بالجذور يؤدي إلى عدم احترام الموروث الشعبي.
عند الحديث عن الفنون الشعبية قد يشي الكلام أعلاه بمضمون البحث أو قد يمر من دون أن يلفت النظر إليه، لكن في الحالتين فإن هذا العنوان يعد بوصلة أي عمل أو مهرجان للاتساع في الرؤية، وامتدادا في فضاء البحث والاجتهاد، فالفنون هي كل مادة تعاد صياغتها من جديد ضمن منطق الانسجام بأيدي المبدعين، والشعبية تعني أن أي إنسان يمكن أن يتعلمها ويمارسها ويعكس فيها هواجسه بعكس الأكاديمية ذات القوانين الصارمة، وهذا لا يعني أن الشعبية هي العشوائية، بل قد نجد فيها قوانين الانسجام والتكامل أكثر مما نجدها في الأكاديمية.
من هنا يمكن القول إن هذه الفنون هي الحاضنة الحقيقية للذاكرة والتاريخ والتراث الشعبي، ورغم كل ما قيل عنا فهي موجودة وحاضرة في تراثنا وحضارتنا بالفعل، ومع تطورات العصر والتكنولوجيا الحديثة تبدو ربما للبعض أنها بدائية ومتخلفة، وأنها لم تنشأ نتيجة معادلات وبحوث معمقة.
رسالتي إلى وزارة الثقافة والإعلام هي أن الماضي ليس صورة تعلق على الجدار أو توضع في المتحف، وإنما صفحة ناصعة يجب أن نقرأها بعناية وحينما نقرأها بعناية نرى فيها صورة بحريننا المشرقة في كل المجالات في العمارة والعلوم والأفق الحضاري والتسامح، وقبول الآخر والاعتراف به.
إن المهرجان الذي تقيمه وزارة الثقافة والإعلام هو محاولة جديدة لاستعادة الذاكرة الشعبية وتكريسها باعتبارها بوصلة للأجيال القادمة لأن تعرف تاريخها.
باختصار إذا ما أردنا الحفاظ على كل ما ذكر، علينا إحياء تلك الفنون بوضعها من ضمن البرنامج السياحي لكل فاعلية ومهرجان يعنى بإبراز البحرين
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ