استكمالا لما بدأت به في مقال سابق «يوميات أحد النواب»، اذ طرحت بعض المواقف وسجلت يوميات لأحد النواب في المجلس النيابي، صار أن حدث تفاعل كبير لما طرح في المقال، وسجلت يوميات أخرى لنواب آخرين.
ماذا يقول أحد النواب من خلال يومياته؟: «خلال دورين من الفصل التشريعي الثاني لاحظنا عملية الالتفاف على الأسئلة الرقابية من قبل السلطة التنفيذية، وتضييع هذا الحق، ويأتي ذلك بإحدى الطرق الآتية: محاولة وأد السؤال في مهده، ومنعه من الذهاب إلى الحكومة، ويباشر هيئة مكتب المجلس هذه المهمة مشكورة، بذرائع متعددة، أو الالتفاف على السؤال في إجابة الوزراء، وغض الطرف عن الجزء المهم فيه، وعادة ما يبدأ السؤال بعبارات المجاملة التي تمتدح مقدم السؤال، ومجلس النواب، لكن الإجابة تكون عادة عامة لا تضيف شيئا من المعلومات، بل ان الإجابات عادة ما تلف وتدور حول نقاط غير جوهرية، وأحيانا يتم تجاهل السؤال وعدم الرد عليه من قبل بعض الوزراء، وفي بعض الأحيان يطلب الوزير تمديد أجل الإجابة مرة ومرتين، ثم لا يجيب بالمرة عنه، دون محاسبة من المجلس، وأحيانا يتم استخدام آليات أخرى غريبة أيضا وتحتاج إلى تأملات وتدبر في معانيها حيث تغييب الإجابة عن المجلس، والامتناع عن عرضه في جلساته العامة، بذرائع مختلفة، من بينها محدودية الوقت المخصص للأسئلة، أو سفر الوزير على رغم كون السؤال أحد أهم الأدوات الرقابية الهامة والتي يجب استغلاله استغلالا جيدا لا تمييعه.
ملاحظاتنا على ذلك بأن المجلس قد خسر فعلا أحد أدواته الرقابية والدستورية، فهو أصلا لا يمتلك منها سوى القليل وغير النافع وعندما تحصل كل تلك المعوقات والصعوبات نكون قد خسرنا حينها ما تبقى منها.
ومن خلال ملاحظاتنا ومراقبتنا لأداء وعمل المجلس النيابي نسجل بدورنا هذه الملاحظات: فقد وجدنا كيف حاول المجلس إضعاف سلطته في تشكيل لجان التحقيق، وخصوصا عندما يصل الأمر إلى فتح موضوعات تعتبرها بعض الكتل خطوطا حمراء لا يجب فتحها، مثل التمييز الطائفي البغيض الذي يشكل طابعا لدى بعض الجهات الحكومية.
كما لاحظنا الهدر الكبير في الوقت المخصص للجان المشكلة والنتائج الهزيلة التي تفرزها بفضل وجود بعض النواب غير الجادين الذين يهمهم أن تأتي تقارير اللجان وفق ما يريدونه ووفق المقاسات الجاهزة لا بحسب النتائج التي يصلون إليها.
كانت بشارة خير للمجلس عندما اتفقت كتلتان رئيستان فيه على التعاون في تمرير تشكيل لجان التحقيق دون إعاقة، وكان ذلك بحق إنجازا كبيرا يحقق للمجلس وإنجازا آخر في نفس الوقت لنجاح عمليات التنسيق والمفاوضات بين الكتل النيابية، ولكن ذلك الاتفاق المكتوب، لم يعد سوى حبر على ورق، «والحلو لا يكمل» وأعتقد أن ذلك جاء بفعل تدخل قوى فاعلة ذات تأثير كبير على المجلس، وهذا كله يؤكد بأن المجلس غير مستقل بذاته وهناك تدحلات كبيرة وطارئة عليه وتحدد مساره وتحرف مساره الطبيعي في المنعطفات الهامة.
ماذا قال النائب ايضا في يومياته عن ذلك عندما فتح قلبه وأدلى بما يجول في خاطره باعتباره واحدا من النواب الذين يعانون من الأوضاع الحالية ويصعب عليه أن يتكلم وأن يصرح حتى لا يشعر بالمضايقة؟: «شخصيا، لم أشارك في أية لجنة تحقيق، سوى في لجنة تحقيق غرق الطفلين في قناة الموت (مهزة)، وبعد تشكيل هذه اللجنة عقدت خمسة اجتماعات، كانت سمة أحد أعضاء اللجنة التغيب، ولكن هذه الاجتماعات لم تسفر عن شيء لأن الجهة الحكومية كانت تتغيب هي الأخرى عن حضور اجتماعات اللجنة دون أعذار لكون الموضوع بذاته غير هام بالنسبة لها على رغم كونها متورطة فيه ورطة كبيرة خصوصا مع كل ما قيل وما سمعنا عنه، وعندما اجتمعنا مع وزير شئون المجلسين لاستبيان سبب التغيب، تبين للجنة أن رسالة قد رفعت من الحكومة إلى رئاسة المجلس تطلب منه تحديد محاور اللجنة، دون أن تتلقى ردا عليها، ودون أن تشعر اللجنة بذلك، وقد وجهت رسالة معاتبة من اللجنة إلى رئاسة المجلس على هذا النوع من التجاهل للجنة».
لا يمكننا تجاهل الملاحظات التي تأتي من النواب أنفسهم أصحاب التجارب، ولا يمكننا السكوت عن كل الملاحظات التي يتم الحصول عليها من خلال اليوميات التي يسطرونها أو الأدوار التي يمارسونها والمواقف التي يتعرضون لها، لا لأجل شيء وإنما لأهداف الإرتقاء بالتجربة الديمقراطية واستمرارها.
ومن هنا نقول مرحى لكل الملاحظات ولكل اليوميات سواء التي كتب لها أن تكتب وأن يتفاعل معها القراء أو للتي سيأتي عليها الدور مستقبلا، وبدوري أشكر النواب الذين تفاعلوا مع المقال السابق والحالي وأدعو البقية الباقية إلى ضرورة موافاتنا بالمفيد من اليوميات المسجلة في ذاكرتهم وسجلهم لتعميق التجربة وأيضا لأغراض نقل التجربة للآخرين
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2220 - الجمعة 03 أكتوبر 2008م الموافق 02 شوال 1429هـ