العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ

استجواب الوزير أمام محكمة الضمير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليس الخطأ خطأ «الوفاق» في طلب استجواب وزيرٍ تعاني وزارته من أرتال من الإشكالات والمآخذ الثقال، بل الخطأ كل الخطأ في من حاول إجهاض الاستجواب، وفيمن اصطف بشكل طائفي فجّ مع الوزير، تكريسا لنظرية «وزيرنا» و«وزيركم»، للقضاء على أي أملٍ بالتغيير والإصلاح.

الكتل المستنفرة أخطأت مرة في مناكدة الوفاق بمجرد إعلان رغبتها في الاستجواب، ومرة ثانية في اصطفافها الطائفي وجعل نفسها درعا للوزير، ومرة ثالثة حين حفّ أولئك النواب بالوزير في فزعةٍ من أغرب الفزعات البرلمانية في العالم أجمع!

أما الخطأ الأكبر لتلك الكتل، فهي حين سعى أولئك النواب بأرجلهم إلى فخٍ غريب، وهو إفشال إحدى أدواتهم البرلمانية وتفريغها من محتواها، عبر هذا الاصطفاف الذي يخلو من الكياسة والسياسة والفهامة. ومهما فكّرت في الحكمة من ذلك، لن تجد غير عمى الألوان الطائفي، الذي يشبه من «يطز عينه بإصبعه»... فماذا أبقيتم لأنفسكم من وسائل لممارسة دوركم الرقابي ومحاسبة المسئولين بالسلطة التنفيذية إذا حوّلتم الاستجواب إلى مماحكات، واختزلتم نتائجه في ضحكاتٍ مصطنعةٍ أمام الكاميرات؟

كلنا يعرف أن وزارة الصحة من أكثر الوزارات مشاكل ووجع رأس، وأكثرها اهتزازا واضطرابا في السنوات الأخيرة، (تغير 4 وزراء خلال سبعة أعوام). التغييران الأخيران كانا عنيفين، وكانت الوفاق الطرف الذي أطاح بالوزيرة السابقة.

ولأن مشاكل الصحة آخذةٌ بالتفاقم، تحت وطأة التجنيس وزيادة العمالة الوافدة وتقليص الموازنة؛ ولأن الصحة أكثر الوزارات احتكاكا بالمواطن، من يوم ميلاده حتى ساعة وفاته... فمن المنطقي أن تكون دائما تحت المجهر. حتى الذين وقفوا مع الوزير يتصنعون الضحكات للكاميرات، كان أحدهم احتج على زملائه بالبرلمان السابق لأنه ظنّ بأنهم يريدون استبعاده من التحقيق في قضايا «فساد» هذه الوزارة!

خروج الوزير كالشعرة من العجين كما يهوى «أنصاره»، لن يحسّن خدمات وزارة الصحة للمواطنين؛ ولن يقلّل من فترة الانتظار أو يزيد عدد الأسرة لإيواء المرضى؛ ولن يوفّر علاجا لمرضى السكلر المنسيين الذي يذبلون في صمت. وأولئك النواب الذين رفعوا يد الوزير لإعلان النصر، إنما أقرّوا على أنفسهم بالهزيمة في ميدان الأخلاق والمبادئ والصدق مع النفس ومع الشعب ومع الضمير. وهو ابتلاءٌ لتلك التيارات الدينية عندما يتم محاكمتها إلى المبادئ والشعارات التي ترفعها في الليل، وتتخلّى عنها في النهار، لدنيا تصيبها.

الاستجواب الأخير فشلٌ جديدٌ للتيارات الدينية (السلف والإخوان)، في ميدان المواطنة، فصحة المواطن ليست مهمة عند هؤلاء. وخدمات الصحة بالذات لا تقبل القسمة الطائفية، ولا المزايدات، فأمراض القلب والجهاز الهضمي أو الدوري أو التناسلي، لا توفّر طائفة دون أخرى، حتى يكون البعض في مأمنٍ من الضرر حين تتدهور أوضاع وزارة الصحة، أو تغوص أكثر في الوحل.

في كل هذه الزفّة استوقفني تعليقان: النائب عبدالله العالي حين قال «إن من اختار حماية الوزير فإنه أبعد ما يكون عن تحكيم ضميره من موقع نيابته عن جميع شعب البحرين، لأنه بذلك انتهك حقوق المرضى وحق الشعب». أما النائب عبدعلي محمد حسن فخاطب زملاءه بقوله عند مناقشة تعديلٍ يصبّ في صالح السلطة الرقابية للنواب: «... لذا ينبغي عدم التفريط بهذا التعديل وإلا طاح حظكم أيها المجلس الكريم ونحن مسئولون أمام الناس»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً