الآن حصحص الحق! وبرح الخفاء! وانكشف الغطاء! ولا ثمة مبرر واحد للغرابة والعجب، بعد أن اتضح السبب الكامن وراء تمسك بعض النواب بالاستجواب في بروج مشيدة، وفي غرف مظلمة، بعيدا عن الأنظار والأسماع، فقد كان رفضهم للاستجواب العلني تحت قبة البرلمان رفضا غريبا عجيبا، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب!

لا تظلموهم! ولا تطعنوا في وطنيتهم! فإصرارهم المتصلب على أن يكون استجواب الوزراء في الغرف المغلقة بعيدا عن عيون الشعب، لم يكن بهدف التستر على الوزراء المستجوبين أبدا، وإنما هم يرمون بذلك التستر على أنفسهم أمام ناخبيهم، يريدون أن يتستروا على دفاعهم المستميت عن الوزراء أكثر من الوزراء أنفسهم، يريدون أن يغطوا كرهم وفرهم في وجه زملائهم من النواب، حتى لا تراق قطرة من ماء حياء الوزراء، فجولة الاستجواب التي خاضها المجلس الأسبوع الماضي ضد وزير الصحة لم تضع النقاط على الحروف وحسب، بل وضعت حتى الضمات والفتحات والكسرات علاوة على النقاط!! فهم بريئون من تهمة حماية الوزراء، ولا تظنوا بهم ظن السوء وإن بعض الظن إثم، إنما هم أرادوا الستر على أنفسهم ليس إلا والله يحب الستارين.

نعم هم يشحذون الهمم حتى لا يتزحزح الغطاء عما يدور في دهاليز غرف الاستجواب، فليس هينا عليهم أن تنكشف إلى العيان سواعدهم وهي تقاتل قتال الأبطال دفاعا عن السلطة التنفيذية التي جعلهم الدستور عليها رقباء، فهذه سوءة يتعين عليهم مواراتها في التراب، كما وارى قابيل سوءة أخيه هابيل، ولا بد للشعب أن يعذرهم في ذلك فالعذر عند كرام الناس مقبول! فهل تطيقون أيها الشعب رؤية نوابكم أذلاء يحثون التراب من تحت أقدام الوزراء؟ وهل تطيقون مشاهدة نوابكم حُجّابا على الأبواب يفسحون الطريق حتى إلى ظل الوزراء؟ وهل تقوون على رؤية نوابكم وصيفات يتزاحمون على تعديل بشوت الوزراء؟ وهل ترغبون معاينة نوابكم على الهواء مباشرة يمسحون عرق الحرج من على جباه الوزراء؟! بالتأكيد لا طاقة لناخب أن يتحمل رؤية شيء من ذلك كله!!

كل هذا ولا تعذرون نوابكم إذا أصروا على أن لا يتخطى الاستجواب الغرف المغلقة؟ هل تريدون أن يصبحوا نوابكم مهزلة المهازل؟ وأن يصبحوا علكا بصريا في كل المحافل؟ وصدقا لو كنت أحدهم لما طالبت أن لا يعدو الاستجواب الغرف وحسب، بل لطالبت أن لا يتم إلا في بروج مشيدة، أو قبور معبدة، لا يخترقها حتى الضوء! حتى لا يحصحص الحق! ويبرح الخفاء! وينكشف الغطاء!