كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا من يوم أمس (الأحد)، وحينها كان المواطن جلال الصيرفي قد انتهى من صلاة الصبح بمنزله بأم الحصم... تأملاته في منزله حملت في طياتها أمنيات بأن يحمل هذا الصباح تباشير تنهي الجدل القائم بشأن منزله الذي بات قاب قوسين أو أدنى من أن تتحول ملكيته إلى وزارة شئون البلديات والزراعة.
هذه التأملات قطعتها أصوات مزعجة، فتح النافذة وإذا بالجرافات تعمد إلى هدم سور المنزل، فذهب مسارعا ليرى ما الذي يجري...
تفاصيل كثيرة، يحملها المواطن جلال الصيرفي بخصوص الأرض التي لا تقل قيمتها اليوم مع سوء وضع السوق عن 6 ملايين دينار، هي باختصار حكاية لم تنتهِ وباتت تهدد أسرته بالضياع!
يقول الصيرفي: «في سنة 2004 وهبتني والدتي سهمها في قطعة أرض ورثتها من والدها مع خالي وخالاتي. وقد وهبتني سهما من عامة 5 أسهم. وبدوري أخذت الهبة وسجلتها بتاريخ 16 مارس/ آذار 2004، وسجلتها لي دائرة التسجيل العقاري وأخذت شهادة من التسجيل العقاري وأخذتها للبلدية، ومن ثم استخرجت رخصة من البلدية لبناء منزل لي مع أبنائي، وأعطتني البلدية رخصة البناء وقمت بعملية البناء وشيدت منزلي في منطقة أم الحصم وكانت الأمور تسير على خير ما يرام وكأنني حققت الحلم الذي لطالما راود كل مواطن بمنزل يأويه مع عائلته».
وتابع «بعد فترة ذهبت للتسجيل العقاري، وأعطيتهم رقم المقدمة ليعطوني الوثيقة. وتفاجأت بالقول إن هذه القطعة مستملكة من قبل وزارة البلديات والزراعة. واندهشت، وخصوصا بعد تسجيل الأرض لي، وكيف يمكن أن تستملك من دون علم ولا قرار استملاك ولا نشر في الجريدة الرسمية. ونصحني أحد الموظفين في التسجيل العقاري برفع دعوى في المحكمة بصفة مستعجلة. وبعد ذلك رفعت الدعوة، وفي أثناء سيرها اكتشفت أن التسجيل العقاري أعطى وثيقة إلى وزارة البلديات تفيد بأنها مستملكة من ملاكها وهي تشمل الأرض بكاملها».
ويؤكد الصيرفي «لا يحق للتسجيل العقاري أن يعطي وثيقة لأية جهة مادامت هناك دعوى سائرة في المحكمة والمختصم فيها التسجيل العقاري وليس أية جهة أخرى، واضطررت أن أدخل وزارة البلديات كخصم في الدعوى. وقمت بالدعوى بتاريخ 15/6/2004، وتم تسجيل الوثيقة بتاريخ 21/9/2004 أي أثناء سير الدعوى. وحينها لم أعتمد على أي محامٍ، وقمت بالبحث في الموضوع بنفسي، ولما بحثت لجأت إلى المخطط العمراني الصادر في سنة 1998 من قبل وزارة الإسكان، ورأيت أن هذه الأرض بحسب المخطط هي أرض متعددة الطوابق، وليس حديقة عامة أو مرفق للحكومة، بل إن الأرض الملاصقة هي التي تم استملاكها من قبل البلدية كحديقة عامة. ورأيت أن وثيقة الأرض المجاورة للبلدية، ذكر أنه يحدها من الغرب ملك السيدهاشم سيدخلف وشركاؤه، وهم أمي وبقية الورثة. وهذا دليل واضح أن الأرض التي نحن فيها ليس بأرض مستملكة».
ويواصل «ذهبت للجار في الجهة الجنوبية، وظهر أن هذا الجار عنده هبة من جلالة الملك، وذكر في الوثيقة أن أرضه يحدها منة جهة الشمال والشرق ملك السيدهاشم وشركاؤه وهذا دليل آخر على أن الأرض هي ملك لنا، بل إن الوثيقة الصادرة من التسجيل العقاري تقر بذلك، والطامة الأكبر أن هناك رسالة من وزير الإسكان في العام 2002، وهي موجهة للتسجيل العقاري بأن يسجلوا هذه الأرض مع الجار الذي وهبه الملك الأرض إذ كانت هناك بعض التعديلات، وهو يأمر بوضوح أن هذه الأرض تسجل باسم الملاك».
ويستطرد الصيرفي «تم تسجيل الأرض، وصرفت إجازة بناء، وهناك رسالة وزير الإسكان، وهناك الوثاق الصادرة من البلدية من جهة الغرب والوثيقة الصادرة من الجنوب، وكلها تشير إلى أننا نحن المستملكين، ولا تعود هذه الأرض إلى وزارة شئون البلديات والزراعة. وأكثر من ذلك، أنه حين لجأت إلى الدستور، وبموجب المادة التاسعة، وهو نص واضح أن الملكية الخاصة مصونة ولا يحرم أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون، ولا تنتزع إلا للمصلحة العامة وبقانون، وعندما رجعت إلى قانون الاستملاك الذي الصادر في سنة 1970 والمعدل في سنة 1975، تقول المادة الثالثة بوضوح إنه لا تنتزع الملكية إلا بعد الإعلان والنشر في الجريدة الرسمية لمرتين متتاليتين ويصبح هذا النشر بمثابة الاستدعاء للاتصال بين المالك والمستملك. والمادة الرابعة تشير إلى تعويض المالك ويوضح السبب من الاستملاك. والمشكلة أن هذا الاستملاك المزعوم لم ينشر في الجريدة الرسمية. والطامة الكبرى أن ادعاء الاستملاك تم في السبعينيات. وإذا تم في السبعينيات، فلماذا لم تشر إلى ذلك الخرائط والرسومات ولماذا كان أصحابها لا يعلمون بذلك، وأين المنفعة العامة ونحن نعيش في الأرض ونزرعها لأكثر من 30 عاما. والمفترض أن يكون سبب الاستملاك للضرورة الملحة. ولماذا لم تقم الوزارة بتسجيلها باسمها، ولماذا تم صرف إجازة البناء، والسجل العقاري يقوم بحفظ السجلات. ولو كان هناك استملاك كيف يمكن أن يقوم التسجيل العقاري بتسجيل الأرض لي وكيف يمكن أن تقوم البلدية بصرف إجازة البناء».
وقال: «بعد الخوض في المحاكم، أوضحت المحكمة الكبرى أن الأرض مستملكة، ولكن لا يوجد أي دليل، وفي الاستئناف ربحت القضية وخصوصا بعدم وجود النشر وأن الوزارة لم تلج الطريق الصحيح للاستملاك. واتجهت الوزارة إلى محكمة التمييز، وأرجعتها التمييز مرة أخرى إلى الاستملاك ولكن لمحكمة أخرى. وكان سير القضية في الطريق الصحيح، والقاضي أرسل رسائل إلى كل الجهات المعنية، لكي تأتي بما يثبت النشر والإثبات، وكانت ردود الوزارة بأنه لا يوجد أي شيء وأن الموضوع قديم ولا يوجد ما يدل على ذلك».
ونوه «دائرة الشئون القانونية قالت إن لديها شاهدا من دائرة الاستلاك يشهد بوجود الاستملاك. وحين أدلى بشهادته، بوضوح وصراحة قال إنه موظف في وزارة الإسكان منذ العام 1982، ولا ندري كيف يمكن أن يشهد هذا الموظف على استملاك تم في السبعينيات وتم التعويض حسبهم في الثمانينيات. وكيف يمكن أن يكون هناك تعويض لوم يعلن عن الاستملاك. وبسؤال هيئة المحكمة إلى الشاهد: هل رأيت قرار الاستملاك منشورا في الجريدة؟ فأجاب أنه شهد بناء على رسالة من وزير الإسكان صادرة في العام 1980، إلى التسجيل العقاري وهي رسالة داخلية تفيد بأن هذه الأرض مستملكة وهو يتابع إجراءات تسجيلها إلى المحكمة. ولم تكن هذه الشهادة في مصلحتهم، وبعد ذلك تفاجأت بحكم الاستئناف أن هذه الأرض قد تم استملاكها، ولم يذكر كيفية استملاكها. وأشارت المحكمة إلى الطعن في قرار الاستملاك خلال 30 يوما، ولا ندري كيف نطعن في القرار ونحن لا نعلم به أساسا، ولجأت مجددا إلى محكمة التمييز، والدعوى لاتزال تنظر في محكمة التمييز».
وقال الصيرفي: «لدى الوزارة الآن حكم محكمة درجة أولى والاستئناف، وبحسب ما تقول البلدية ان التمييز لا يوقف الاستئناف... وبعد عيد العمال يوم الاثنين الذي صادف 4 مايو/ أيار 2009، وبعد أن أخذت أبنائي للمدرسة وذهبت زوجتي للمعهد للدراسة، اتصل أحد الأصحاب ليخبرني أن المكنات تعمل على إزالة سور المنزل، ورجعت مسرعا وسألتهم من أين القرار فقالوا من البلدية ولديها الحق بأن تطبق ذلك. وتم هدم جزء لا بأس به، وفي اليوم نفسه، رفعت دعوى مستعجلة في المحكمة، وأعطتني المحكمة موعدا ليوم ثانٍ، وأصدرت المحكمة حكمها يوم الأربعاء 6 مايو/ أيار 2009 بعد الاختصاص».
وأوضح أنه خلال أيام المحكمة قمت بتسوير ما تم إزالته بسور من السعف والتور الأخضر لستر المنزل، وفي يوم الأحد الموافق 10 مايو عند الساعة 5 صباحا، تمت إزالة السور التي تم تركيبه، وكنت أسمع أصواتا وحين فتحت الستارة شاهدت المكنات، ورأيت آسيويا في البلدوزر، وكان يشير على بحريني وحين ذهبت إليه فر من الموقع، ورفعت في اليوم نفسه دعوى متسعجلة عند القاضي نفسه. المفترض أن يتم إنذار صاحب الملك إن كان مخالفا، وأين أمر الإزالة. وقال القاضي إن القضية ستؤجل إلى يوم الاثنين 11 مايو لإبلاغ البلدية».
ودعا الصيرفي المسئولين إلى النظر في قضيته بعين الإنصاف وخصوصا أن الأرض كانت ملكا لهم طوال السنين الماضية وزرعوها وسكنوها لمدة 30 عاما. وحاولت «الوسط» الحصول على تعليق رسمي من بلدية المنامة إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى أحد المسئولين حتى ساعة كتابة هذا الخبر.
العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ