منذ سنوات وكثيرٌ من الاقتصاديين والباحثين والعاملين في الصحافة أو مؤسسات المجتمع المدني يطالبون بتحديدٍ لـ «خط الفقر» في البحرين، وبعد مماطلة سنوات من قبل الجهات الرسمية، أفصحت وزارة التنمية الاجتماعية الأسبوع الماضي عن هذا الرقم.
الوزيرة أعلنت في البرلمان أن متوسط دخل الأسر الذي تعتبره خطا للفقر هو 112 دينارا للأسرة المكوّنة من زوجين، مستندة في ذلك على التقرير الأخير لتحقيق الأهداف التنموية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
من حق الوزيرة أن تجتهد في تقديم وجهة نظر الحكومة في تعريف خط الفقر، إلا أنها لن تكون رؤية نهائية ومسلّما بها، فمن يعيش مع الناس يدرك تماما استحالة أن تكفي 56 دينارا لإعالة أي فرد، سواء قبل أو بعد موجة الغلاء الأخيرة.
لنأخذ ورقة وقلما ونحسب، فالفرد يحتاج إلى دينارٍ يوميا لإشباع بطنه بحدّ الكفاف، وبمواد نشوية بحتة (خبز وسمبوسة وشاي صباحا، وخبز وروب عشاء، وصحن رز صغير للغداء)، أي 30 دينارا بالشهر، فكم يبقى من الـ 56؟ 20 دينارا.
الكهرباء والماء تحتاج إلى 5 دنانير على الأقل (في الشتاء طبعا)، والبلدية إلى دينارين، وعليه أن يكتفي بالهاتف الثابت (على اعتبار الموبايل والإنترنت ترف)، لنقل 5 دنانير أيضا... فالباقي 14. سنفترض أنه لن يحتاج إلى نعال أو حذاء أو ملابس جديدة إلا مرة واحدة في السنة، لكن حتى الملابس القديمة تحتاج إلى علبة مسحوق غسيل (5 دنانير). وسيحتاج إلى قطعتي صابون (400 فلس)، ومعجون أسنان (800 فلس)، وشامبو (1 دينار)، ومزيل رائحة (800 فلس) مع ضرورة الاقتصاد في استخدامه مرة واحدة ليبقى حتى نهاية الشهر. كم بقي معنا؟ 8 دنانير... وهذه لن تغطّي تكلفة بترول السيارة حتى منتصف الشهر! أين خط الفقر إذا في البحرين؟
يقولون: حدّث العاقل بما لا يليق... فإذا صدّق لا عقل له، ونحن مع تقديرنا الكبير لجهود الوزيرة الفاضلة فاطمة البلوشي وطاقمها الإداري، إلا أننا نتحفّظ على هذا الرقم غير الواقعي، فنحن اعتمدنا في هذه التقديرات على أرخص السلع، ودون افتراض وجود مصارف طارئة كتعطل السيارة أو الحاجة إلى اسطوانة غاز أو حاجات الطبخ الأخرى.
إننا بحاجةٍ فعلا لتحديد خط الفقر في البحرين لرسم سياسات التنمية الاجتماعية، لا أن نخدع أنفسنا بترويج أرقام غير واقعية، تضلّلنا أكثر عن رؤية الحقائق على الأرض، فآخر الأرقام الرسمية تشير إلى وجود 10 آلاف و746 أسرة تتلقى المساعدات من وزارة التنمية نفسها. ومن خلال معرفتنا بأوضاع الصناديق الخيرية، هناك أسرٌ معدل دخلها اليومي صفر، أي أنها تحت خط الفقر العالمي (دولار واحد في اليوم)، الذي تسعى الوزارة إلى نفي وجوده في البحرين. هذه الأسر يجري تصنيفها لدى الصناديق الخيرية في فئة (أ)، ونسبتها 10 في المئة من الأسر، إلى جانب فئات (ب) و(ج) و(د)، التي تعتبر أفضل حالا، لكنها تظل جميعا تستحق صرف المعونات الشهرية والموسمية وفي الأعياد.
لسنا من هواة الجدل والسفسطة، ولكننا نبحث بصدقٍ عن أرقامٍ حقيقيةٍ ودقيقةٍ لواقعنا الاجتماعي والاقتصادي، الذي تنبني عليه السياسات العامة، بما يمسّ حياة ومعاش عشرات الآلاف من المواطنين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2383 - الأحد 15 مارس 2009م الموافق 18 ربيع الاول 1430هـ