أثارت البرامج التلفزيونية على الطراز الغربي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي الكثير من الخلاف في العالم العربي بشأن نتائجها الضارة المحتملة على القيم والتقاليد الاجتماعية في المنطقة.
كذلك لم يخلق أي نوع من البرامج التلفزيونية جدلا عاما ساخنا في المجتمعات العربية مثلما فعل تلفزيون الواقع.
ولكن في الوقت الذي قد يكون فيه النقاد على حق في تركيز الاهتمام على النواحي غير اللائقة لهذا النوع من البرامج، هناك دلائل على أن برامج الواقع المنتجة بشكل متوازن ومسئول قد تحمل في طياتها وعد رعاية الابتكارية والإبداع وتعزيز المشاركة الديمقراطية في المجال العام الذي بدأ يظهر في المنطقة.
يدور عدم الرضا العام ببرامج الواقع في العالم العربي بشأن الأسلوب الذي تتعامل فيه مع القيم والممارسات الاجتماعية والثقافية، وليس بشأن شكل هذه البرامج بحد ذاته.
أستذكر الاحتجاجات الوطنية في البحرين قبل خمس سنوات بالضبط والتي أدت إلى قيام مركز البث التلفزيوني للشرق الأوسط MBC بتعليق عرض النسخة العربية من برنامج الواقع «الأخ الكبير»، والذي كان يصوَّر في المملكة الخليجية بالغة الصغر.
كان منتجو البرنامج قد أحضروا اثني عشر شابا وشابة ليعيشوا تحت سقف واحد، وهو أمر غير مقبول ثقافيا بالمرة، بل وغير واقعي، وقاموا بتغطية حياتهم طوال فترة 24 ساعة يوميا، مغطّين سأمهم، وتنافسيتهم المستنبطة على حد سواء.
ومن برامج الواقع المثيرة كذلك على المحطات العربية برنامج «الهوا سوا»، وهو برنامج يقرّب بين الأفراد من الجنسين تبثه شبكة ART، حيث قام البرنامج بعرض ثماني نساء من أنحاء العالم العربي أمام رجال يرغبون بالزواج في شقة فاخرة لمدة 24 ساعة يوميا (وقد ألغي البرنامج فيما بعد)، وكذلك برنامج «ستار أكاديمي» الذي تبثه محطة LBC الفضائية اللبنانية، حيث يقيم شباب من الجنسين معا في شقة بينما يتنافسون على لقب «أفضل مطرب عربي»، وهو الآن في دورته البرامجية السادسة.
تعمل حماسة المنتخبين وتوقهم لاجتذاب جمهور الشباب، من خلال هذه البرامج أحيانا على تلفيق وفبركة المعايير الأخلاقية العربية. إلا أن هناك جانبا مشرقا لتلفزيون الواقع يجب الحفاظ على بريقه.
يساعد تلفزيون الواقع، الذي ينطوي على إشراك المشاهد في تقرير مضمون البرامج، على تحويل الجمهور غير المشارك والسلبي تقليديا إلى مجموعة من المشاهدين النشطين من واقع الحياة.
من هذا المنطلق، يقدم تلفزيون الواقع فرصة للعديد من العرب لأن تشكّل آراؤهم مشروعا إعلاميا وأن تُسمع أصواتهم في المجال العام.
إضافة إلى ذلك، يمكن لتلفزيون الواقع أن يساعد على الحفاظ على أشكال الفن التقليدية والإتيان بها إلى جمهور جديد.
يمكن لتلفزيون الواقع، على سبيل المثال، أن يشكل نقطة انطلاق لمواهب خلاّقة في مجال واسع من الفنون الأدائية مثل الرقص والتأليف الموسيقي والغناء وإلقاء الشعر والإنشاء.
أذكر أنني شاهدت برنامجا أثناء شهر رمضان الفضيل شارك فيه شباب بترتيل القرآن الكريم بحضور مجموعة من المحكّمين وجمهور مُشارِك على محطة دبي التلفزيونية.
أما على محطة أبوظبي فيقدم برنامج الواقع «شاعر من الملايين» نظرات معمقة مثيرة للإعجاب بشأن كيف يمكن لهذا النوع من البرامج أن يُستخدَم في نهاية المطاف للترويج لمكوّن مهم بشكل خاص من الثقافة العربية التقليدية، ألا وهو الشعر. وينطبق الأمر نفسه على برامج أخرى تشجع المغامرات في أحضان الطبيعة والثقافة الدينية وتماسك المجتمع بأوسع صورة.
يقدم تلفزيون الواقع في العالم العربي، رغم نواحيه الثقافية الأقل جاذبية، للجمهور العربي توجها جديدا إبداعيا للحياة المعاصرة. ومن الأرجح أن تثير الطبيعة الواقعية لأماكن تصوير هذه البرامج، مضافا إليها حماسة الجمهور المشارك، إبداعا أكثر حقيقية من جانب الأطراف المتنافسة. ويثبت هذا التاريخ القصير لهذا النوع من البرامج التلفزيونية أن عددا متزايدا من المواهب قد اكتسب اعترافا في مجتمعات أفراده من خلال مشاركتهم ببرامج كهذه. ومن الأمثلة على ذلك المطربة الأردنية ديانا كرزون، التي نهضت إلى الشهرة بعد ظهورها على برنامج «سوبر ستار» الواقعي في العام 2003 والذي قدمه تلفزيون المستقبل.
ليست القضية هنا ما إذا كان يجب بث برامج تلفزيون الواقع أم لا، وإنما ما إذا كانت هذه البرامج تستفيد إلى أقصى حد ممكن من قدراتها عندما تتجاهل الأسس الأخلاقية التي يستمد معظم أفراد جمهوره هوياتهم منها.
أعتقد أنا أن برامج الواقع التي تبتعد عن الإثارة الزائدة للتلفزيون التجاري وتتجذر في الثقافة المحلية، وليس المستوردة، تساهم في تشجيع مجتمعات صحيحة في العالم العربي المعاصر.
وحتى يتسنى لذلك أن يحصل بشكل أكثر إصرارا، يحتاج مقدمو البرامج لأن يبدأوا باعتبار أنفسهم شركاء مع منظمات المجتمع المدني وقيادات المجتمعات المحلية.
يستطيع تلفزيون الواقع أن يستمر باجتذاب الجماهير حتى بينما يرعى هوية شبابية أكثر قيمة في العالم العربي لصالح المجتمع بأكمله، وقد تؤثر هذه الهوية بفكرة المواطَنة في العالم العربي. فالمواطنون في نهاية المطاف مشاركون نشطون وغير سلبيين في مجتمعاتهم.
*أستاذ في الاتصالات بجامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2383 - الأحد 15 مارس 2009م الموافق 18 ربيع الاول 1430هـ