إذاعة الـ «بي بي سي» تقوم بتغطية مذبحة ومحرقة شعبنا الفلسطيني في غزة هاشم ولكنها تدسُّ السم في العسل وتقوم باختيار من تحاورهم بطريقة أقل ما يقال فيها وعنها أنها متحيزة إلى أبعد الحدود، وهي بذلك تروِّج إلى خلط الأوراق وترويج المغالطات حول الصراع العربي/ الصهيوني والقضية الفلسطينية، وتوجيه مستمعيها والمشاركين في حواراتها نحو تأكيد وتبني تلك المغالطات بما فيها وجهة النظر الصهيونية والاستعمارية حول هذا الصراع.
ففي صباح الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري كانت القناة الإذاعية تحاور الناطقين باسم الحكومة والجيش الصهيوني بمشاركة أحد المتخصصين في الشأن الفلسطيني. وتركز مجمل النقاش على الاختلاف الواضح في سقف أهداف الحكومة الصهيونية كسلطة احتلال وسقف أهداف جيش العدو الصهيوني للمحرقة والجريمة البشعة التي يرتكبونها بحق شعبنا العربي الفلسطيني في غزة هاشم من أطفال ونساء وشيوخ ومقاومين. وقد حدد الناطق باسم حكومة العدو المحتل سقف أهدافها ومطالبها بشريط أمن يوفّر الأمان لقطعان المستوطنين في أرض فلسطين القادمين من شتات الأرض, والقضاء على بنية وإمكانيات المقاومة وفرض وقف دائم لإطلاق النار بما فيها حق المقاومة ليس فقط في الدفاع عن شعبها الذي مارست سلطات العدو حتى في فترة التهدئة السابقة شتى أشكال الجرائم من قتل وتجريف للأرض والزرع وحصار وتجويع, وإنما بشكل دائم وتحت إشراف دولي من المراقبين!
وهل غزة دولة قائمة بذاتها لكي تفرض عليها هدنة بقرار دولي يوفّر لمغتصبيها الأمن والأمان على حساب حقوق شعبها وأهلها؟
أليست غزة جزءا لا يتجزّأ من أرض فلسطين من النهر إلى البحر؟
أليست الأرض التي يقف عليها جنود الاحتلال وقواته جزءا من أرض فلسطين وغالبية أهل غزة من سكان المخيمات تم تشتيتهم واغتصاب أرضهم من قبل الصهاينة وقطعان المستوطنين؟
إن خلط الأوراق ومحاولة تغيير الواقع ونفي حق الشعب في مقاومة الاحتلال وهو حق كفلته جميع الشرائع السماوية والعالمية, هو جزء من محاولات الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية العالمية لتصفية القضية الفلسطينية وتكريس واقع الاحتلال الذي استمر ستين عاما متجاهلين تاريخ هذا الشعب العربي الفلسطيني الذي أمتدَّ مئات السنين. وهم يتجاهلون حتى قرارات الأمم المتحدة (إن كانت لها شرعية دولية) حول القضية الفلسطينية حتى لو تواضعنا لقبول منح من لا يملك لمن لا يستحق وطنا على حساب الشعب العربي الفلسطيني, ونتاج جرائم ارتكبوها لوحدهم وليس لفلسطين وشعبها صلة بها. فإن كان الغرب والقوى الاستعمارية يريدون التكفير عن جرائم النازية فليمنحوا الصهاينة وطنا في دولهم وعلى رأسها منبع النازية في ألمانيا نفسها.
لماذا يصر الغرب في التعامل مع القضايا الدولية بمكيالين؟
وهل إن كانت لقرارات الأمم المتحدة شرعية دولية يسعون إلى فرضها بالقوة وفي أحيان كثيرة تحت البند السابع على الدول الممانعة لهيمنتهم وطغيانهم كما حدث للعراق وإيران وكوريا الشمالية؟
أليست منظمة الأمم المتحدة وما يسمونه بالشرعية الدولية هي ذاتها من أصدر القرارات بحق القضية الفلسطينية؟
فلماذا لا يلزمون الكيان الصهيوني بتطبيقها جملة وتفصيلا بما فيها حق العودة لفلسطينيي الشتات. ولماذا لا يجرؤون على محاسبة الكيان الصهيوني على التعامل مع قطعان المستوطنين، وخصوصا الذين يغتصبون ومازالوا أراضي وبيوت الشعب العربي الفلسطيني في الجليل؟
لماذا لا يلزمون هذا الكيان بتطبيق القرارات التي صدرت مؤخرا حول جدار الفصل العنصري بشهادة محاكمهم؟
ولنعدْ للتواضع مرة أخرى من باب السقف الذي حدّده الأخ أبوعمار قبيل اغتياله وفي كامب ديفيد الثانية ويأتوا بمن على استعداد للمضي معهم في تصفية القضية وطمس حقوق شعبنا العربي الفلسطيني.
أليس من باب الأخذ بقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية إن الضفة الغربية أرض محتلة؟ فلماذا تواصل سلطات وقوات الاحتلال تغيير واقعها الجغرافي والديموغرافي وتقطيع أوصالها بالمستوطنات الصهيونية والجدار العازل وتجريف زرع مواطنيها وسلب أراضيها؟ ألا يدعون أن على سلطات الاحتلال واجب بعدم تغيير واقع وديموغرافية الأراضي المحتلة؟ وأي سلطة هذه التي يقاتل النظام العربي الرسمي ويتآمر من أجل تكريسها وتقويتها من أجل حماية دولة الصهاينة ودعم عروشهم وحكوماتهم.
فلسطين الضفة تحت الاحتلال ولا فرق بين من يفرق مظاهرات شعبها وفعاليات احتجاجاته ودفاعه عن أبناء الضفة قوات الأمن الصهيونية أو قوات أمن ما يسمى بالسلطة الفلسطينية.
كفاكم خلطا للأوراق وكفاكم مغالطات فجّة تستهين بعقل المواطن العربي وتكيل في عالم الهيمنة الإمبريالية بمكيالين حسب مصالحهم ولتكريس نهجهم في سلب ثروات هذه الأمة والتحكم في خياراتها بالتعاون مع أنظمة مهترئة تسعى إلى حفظ كراسي حكمها على حساب حقوق شعوبها وثرواتها ومستقبلها راضية بما يلقى لها من فتات هذه الثروات. المطلوب أيها السادة ليس رأس حماس وحدها وإنما كل ما يمثل ويمارس المقاومة وثقافتها. المطلوب هو تصفية القضية الفلسطينية وطمس حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتوطين فلسطينيي الشتات في دول اللجوء. المطلوب رأس الممانعة رسمية كانت أو شعبية في غزة أو الضفة أو الأراضي التي تم احتلالها العام 1948 أو لبنان أو العراق أو أي جزء به من الثروات. ما يطمع فيه الغرب والصهيونية العالمية المقاومة أيها السادة قوى تحرر شعبية إسلامية كانت أو وطنية ولا يحق لأيٍّ كان أن يطالبها بهدنة مع محتلي أراضيها وأوطانها ولها الحق كل الحق في تحرير أوطانها من المحتل بما تستطيع وما يتوافر لها. وقطعان المستوطنين الذين تتم تسميتهم خطأ بالمواطنين هم المدد الخلفي والاحتياطي لقوات الاحتلال وهم مدججون في السلاح. فإن أراد نظامنا الرسمي العربي أن يقوم بأضعف الإيمان فليفتح حدوده ويزوّد المقاومين بالمال والسلاح والدعم السياسي. لكنه ونحن نعلم أعجز وأجبن من ممارسة ذلك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ