لعله كان بإمكان أي منا أن يتوقع مجريات الأمور والحوادث في مطلع هذا العام، ليس بالتفصيل، ولكن بصورة إجمالية، إذ كان كثير منا يتوقع حدوث أمور غير محمودة. والحديث عن تفاصيل هذه القضية أو تلك قد يفيدنا شيئا ما، ولكن شريطة أن يربط بشكل واضح بتعقيدات عدة ومتداخلة.
فمن ناحية، يوجد لدينا دستور، وهذا الدستور يقر الثوابت الوطنية الخاصة بالحكم وبرمزية الحكم وصون الذات الملكية، وهذا مبدأ دستوري نلتزم به وندعو إلى الالتزام به. والثوابت الدستورية تتحدث أيضا عن احترام مكونات المجتمع، وعليه، فإن أي شخص أو جهة تنال من هذه الفئة المجتمعية أو تلك فإنها لا تختلف كثيرا عن الذين لايلتزمون بثوابت دستورية أخرى تتعلق بالحكم. ومثل هذا الحديث إنما يحاول فهم الأمور في إطارها الأوسع، ولذلك، فإن المؤمنين بـ «مبدأ الإنصاف» يعارضون الشخص الذي ينال من المادة الدستورية التي تحدد طبيعة الحكم في البحرين، ويعارضون في الوقت ذاته أولئك الأشخاص الذين ينالون من طائفة بأكملها.
إن البيئة السياسية «المعقلنة» لاتفسح المجال للمتشددين والمتطرفين، لأن مثل هذه البيئة يسود فيها المعتدلون، وتعتمد على تضافر الجهود لمنع أي شخص من النيل من الثوابت الدستورية – الوطنية. ولكي نصل إلى هذا المستوى المعقل، فإن الأجهزة الرسمية عليها أن تطرح نفسها على أساس «الحياد»، فلا تقوم بمساندة أشخاص متطرفين وحاقدين (بعضهم ليست له أية علاقة معنوية أو وطنية بالبحرين) يشتمون طائفة بأكملها وينشرون الإشاعات ضدها... وعلى هذا الأساس المتساوي، يمكن للجهات الرسمية أن تتعامل مع أشخاص آخرين ينالون من ثوابت الحكم الدستورية.
لعل أن المثير للدهشة هو صعود نجم أصحاب الخطاب المتشدد في الجانب الحكومي وكذلك في الجانب المعارض بشكل متصاعد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا بحاجة إلى مراجعة عدد من المبادىء المعتمدة حاليا للتعامل مع أوضاعنا.
إن «الضرر» من التشدد والتطرف في الخطاب ينالنا جميعا، والوطن هو الذي يخسر الطاقات التي تبذل في سلوكيات تعتمد على الشتائم والتنابز والتفاضل والتفريق والتفتيت. نعم يمكن للعقلاء أن يساهموا في حلحلة الكثير من الأمور ولكن اليد الواحدة لاتصفق، والجانب الرسمي عليه أن يبدأ بضبط الذين يدعون أنهم يمثلون وجهات نظره، وبذلك يفسح المجال للجانب الأهلي أن يلعب دوره نحو الاعتدال.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ