لا أحد منا يستطيع أن ينكر إبداعه، فهو أحد أهم الجنود الذين يعملون خلف الكواليس، بل هو فنان شامل، فقبل أن يكون «ماكيير» على مستوى الوطن العربي هو ممثل ومُخرج له الكثير من الأعمال المسرحية الناجحة جدا... لا يحب الظهور والحديث طويلا، بل دائما ما يترك أعماله في البحرين والخليج هي التي تتحدث عنه... ذلك المبدع البحريني هو الفنان المتميز ياسر سيف، الذي كان لنا معه هذا اللقاء في البرنامج الإذاعي «استوديو الفن» الذي يبث يوم الأربعاء من كل أسبوع على موقع «الوسط» الإلكتروني:
شكرا لك على تلبية الدعوة فناننا المتميز ياسر سيف. نريد أن نبدأ الحوار معك عبر نقطة مسلسل «ظل الياسمين» الذي لاقى نجاحا كبيرا خلال عرضه عبر شاشة الـ mbc خلال رمضان الماضي، وهو من تأليف الكاتبة وداد الكواري والمخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة، والمكياج كان له أثر كبير في نجاح المسلسل بشكل خاص، فهلا تطلعنا على تجربتك في هذا مسلسل؟
- طبعا في البداية أشكركم مقدما على الدعوة الكريمة. وبالنسبة إلى مسلسل «ظل الياسمين» فمشاركتي فيه كماكيير. وأذكر أن فترة التحضير كانت قصيرة جدا وكنت مرتبطا بعدد من الأعمال سبقت هذا المسلسل، ولكن الحمد الله استطعنا أن نوفق ونضع خطة لشخصيات العمل، و «الحمد الله النتيجة شفتوها على الشاشة كلكم وإلى حد ما أنا راضي والحمد الله».
عندما نرجع إلى شخوص المسلسل نجد أنها كانت تمر بمراحل زمنية مختلفة تبدأ بالطفولة وتكبر وتكبر حتى تصل إلى مرحلة الشيخوخة، إلى جانب قيامك بإبراز إحدى الشخصيات المصابة بإعاقة بصرية وهي شخصية شابة تبرعت بعينها لولدها... فكم تطلب تحويل هذه الشخصيات عبر المراحل المختلفة من جهد؟
- جرت العادة في مثل هذه الأعمال التي تتتقل خلالها الشخصيات بين مراحل عمرية مختلفة تبدأ من زمن الطفولة مرورا بالشباب إلى العمر الوسط إلى أن يكون كبيرا في السن... في مثل هكذا أعمال يستعان عادة بعدة أشخاص يمثل كل شخص مرحلة بعينها، ولكن في «ظل الياسمين» فإن غالبية الشخوص مثلت جميع المراحل، وطبعا بالنسبة إلى الماكيير فإنه يجد صعوبة في إبراز هذه المراحل العمرية، ولكن الحمد لله أني استطعت أن أتعدى هذه الصعوبة، وهذه في النهاية هي مهنة الماكيير الحقيقي في إبراز المراحل العمرية المختلفة والحالات النفسية التي يمر بها الشخوص في العمل الدرامي. طبعا هناك شخصيات كانت سهلة أصغر أو أكبر فيها، ولكن شخصية مثل الفنان إبراهيم الصلال فنحن نراه كبيرا في السن أساسا وعليك أن ترجعه إلى مرحلة يكون أصغر سنا، ثم تكبره إلى مرحلة ثانية إلى مرحلة ثالثة فهذه صعبة للغاية، ولكن شخوص، على سبيل المثال الممثلة شهد الياسين فنحن لا نرى صعوبة في وجه «البيبي فيس» فنستطيع أن نكبره ونصغره ونكبره إلى مئة سنة، لا توجد مشكلة، ولكن إذا كان الممثل أساسا كبيرا في السن توجد صعوبة في أن تصغره، والحمد الله استطعنا أن نوفق بالخامات الموجودة وبطبيعة التصوير.
ألا تجد صعوبة في وضع المكياج وخصوصا أنك شاركت في بعض المسلسلات التراثية مثل «صانع التاريخ»، فهل تجد صعوبة في وضع مكياج للشخصية التراثية أو البرنامج التاريخي؟ وما الفرق بين البرنامج من هذا النوع والبرنامج الدرامي الحديث أو المسلسل الحديث؟
- الماكيير الحقيقي من المفروض أن لا يجد صعوبة في المسلسل التاريخي أو المسلسلات التراثية أو المسلسلات الحديثة، ولكن لكل مسلسل أجواءه الخاصة، فالمسلسلات التاريخية لها شغلها وصعوبتها، والتراثية والحديثة كذلك، أي كل عمل من هذه الأعمال له صعوبة معينة، وبالنسبة إلي كوني ماكيير أجد صعوبة في المسلسلات التاريخية أكثر من التراثية، ففي المسلسل التاريخي أنت تحاكي شخصيات كانت موجودة في الواقع ولديها ملامح معينة ومذكورة في الكتب مثلا قد تكون أنت لم ترها وقد تكون شخصيات لم نعاصرها، ولكن لديها صور معينة مثل شخصية «زبيار» في «صانع التاريخ» يجب عليك أن تبحث وتقرأ ما مواصفات هذا الشخصية لكي تعمل «ميكب» تماما مثلما يبحث الممثل عن الملامح المطلوبة لدوره من ناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... أنت تبحث من هذا المنطلق عن الشخصية ومن خلال القراءات تكتشف كيف كانت ملامحه وأوصافه، ما إذا كان موصوفا بالقوة مثلا أو بالجمال، حتى لو لم تتوافر له صورة، فأنت يجب أن يكون لديك تصور، مثلا «الجاحظ» عينه جاحظة أي تتخيل هذا الشيء... في الأعمال التراثية يكون الشغل أكثر مع الممثلين عن الممثلات، والعكس في المسلسلات الحديثة الشغل مع الممثلات أكثر عن الممثلين، ففي التراثية يتطلب للممثلين الرجال اللحي والشوارب، إنما الحريم يكون مكياجهم بسيطا جدا ويقتصر على الكحل... وفي المسلسلات الحديثة يكون الشغل مع العنصر النسائي أكثر من الرجالي لأن الشاب يظهر بشكله الرئيسي. فأصعب الأعمال المسلسلات التاريخية.
من خلال الحوار كنت تؤكد بقولك «الماكيير الحقيقي» وكان لديك تصريح في السابق لإحدى الصحف البحرينية بأن هناك دخلاء على مهنة الماكيير، فما تعليقك على هذه النقطة؟
- أنا لا أعتقد بأن هناك دخلاء على فن الماكيير فقط، بل هناك دخلاء حتى على فن الإخراج والتمثيل... من وجهة نظري الشخصية الكل يستطيع أن يمثل ولكن ليس الكل ممثلا، والكل يستطيع أن يرسم ولكن ليس الكل رساما، أي أننا كلنا في المدرسة رسمنا ولكنك لا تستطيع أن تطلق على الكل رساما... الكل يستطيع أن يمثل ولكن في النهاية ليس الكل ممثلا... أما المكياج فأقول إن تصريحاتي السابقة ليست انتقاصا من الناس العاملين في هذا المجال، ولكن الماكيير يحتاج فعلا إلى معرفة حقيقية بهذا المجال، فهناك نوعية من المنتجين يحضرون في أعمالهم أشخاصا يعملون في الصالونات، ليشتغلوا في المسلسلات الدرامية... هناك فرق كبير بين العمل في المسلسلات الدرامية الحديثة وما بين التجميل داخل الصالونات... فهناك فرق شاسع في الألوان وفي الخامات مع الإضاءة والكاميرا، كذلك هناك فرق بين من تتعامل معهم في الصالون، فليس كل من «مكيج» هو ماكيير، فأنا أؤكد أن هناك دخلاء على فن الماكيير كما أؤكد أنه هناك دخلاء على فن التمثيل. صحيح أن أي شخص يستطيع أن يمثل ولكن من المستحيل أن يكون بأداء الممثل الحقيقي نفسه.
الدراسة أو الهواية هي التي قادت ياسر سيف إلى الاحتراف في هذا المجال حتى أصبحت اسما بارزا فيه؟
- في البداية هي هواية، إذ من خلال التمثيل وحبي للتمثيل دخلت هذا المجال، فعندما كنت أتقمص شخصيات معينة كنت أضع لمسات معينة... كنت أجهل ما يسمى مكياج، ولكني مع الوقت عرفته جيدا، وكانت غالبية المخرجين وأصدقائي الممثلين الذين كنا نشتغل معهم يلاحظون ذلك، وعندما أدركوا أنني متميز كانوا يطلبون مني العمل معهم في أعمالهم المسرحية التي لم أشارك فيها ممثلا... ومع الوقت درست المكياج عن طريق دورات وعن طريق المعهد العالي للفنون المسرحية، كذلك التحقت بدورات متقدمة في باريس ولندن والهند، بمعنى أن الدراسة تصقل وتختصر المسافة، أي بدلا من أن تحلل وتشاهد التلفزيون وكيف يعملون الماكيير وبأية خامة فالدراسة تختصر الوقت وتعلمك بالشكل الصحيح والمدروس، بل تجعلك تجرب الخامات وقد تكون هي خطرة أحيانا، فالمكياج الآن أصبح ليس ألوانا فقط، بل تطور إلى قطع صناعية مثل ما نرى في أفلام هوليوود من قطع صناعية وماسكات متطورة... لذلك أقول ليس كل من وضع مساحيق تجميل على وجوه معينة هو ماكيير، وإن كان العكس لأصبحت كل واحدة «تتمكيج» في البيت ماكييرة.
بالعودة إلى العمل في المسلسلات المحلية أو دعنا نقول إن مشاركاتك واسعة حتى على نطاق الخليج... هل تؤثر الموازنات المرصودة للمكياج في كل عمل على إبداعك الخاص باعتبارك ماكيير؟!
- طبعا قيمة الأجر أو الموازنة المرصودة للماكيير تؤثر، فأحيانا كثير من المنتجين «يسترخص» الدفع أو يضع موازنات زهيدة جدا للماكيير، لذلك فهذا يؤثر على الماكيير وعلى العمل أيضا... فعندما تكون الموازنة معقولة تستطيع أن تحضر معك مساعدين، إذ إن الماكيير لا يستطيع أن يعمل لوحده في غرفة المكياج، فهناك شغل أثناء التصوير، لذلك يجب أن يكون لك مساعدون يتابعون هذا الشغل... كذلك تؤثر الموازنة على الخامات، أي من الممكن أن أكبر شخصية بالألوان والضوء، ولكن الخامات تعطي انطباعا أفضل، وأبرز مثال على ذلك في «ظل الياسمين» تظهر الفنانة شادية سبت في آخر مشهد كبيرة في السن، وهنا قمنا بتكبير سنها ليس بالاعتماد على الألوان والإضاءة فقط، بل باستخدام اللدائن والخامات المتطورة مثل الجلد الذي يعطي انطباعا بأنها أكبر سنا، وتلك الخامات تحتاج إلى موازنة جيدة، وأعتقد أن الموازنة الجيدة تجعل الماكيير يبدع أكثر فأكثر.
نحن نرى خلال الفترة الماضية أن المكياج الصاخب أشبه بالنمط السائد في كثير من المسلسلات، فهل هذا يعتبر اجتهادا من الماكيير أم من المخرج أم من الفنان نفسه الذي يطلب هذا النوع من المكياج؟
- طبعا الممثل، وتحديدا الممثلة تتحمل هذا الخطأ بالدرجة الأولى، فهن يبالغن في التجميل، ليس فقط من ناحية المكياج، بل أصبحت الآن إبر «البوتكس» والأشياء الأخرى هي التي تغير في ملامحهن... ثم تأتي المسئولية على المخرج فهو المسئول عن لقطات الممثل وحجم الكادر والحركة معنا، بل هو مسئول عن العمل كاملا، كذلك فإن الماكيير يعد مسئولا هو الآخر، إذ يجب أن يبدي وجهة نظره في الملابس والإضاءة والتمثيل والحركة والتصوير، لا أن يعمل الماكيير وكأن لا علاقة له بالعمل الدرامي، فهو لا يعمل في صالون ويقوم بعمله على هوى وكيف الممثل أو الممثلة.
هذه المسئولية يجب أن يتحملها الممثل والماكيير والمخرج، فالمسئولية تقع على الجميع، وطبعا هذا قد يدخلنا في صراعات مع الممثلين من هذه الناحية، وقد ندخل أيضا في صراعات مع المخرج الذي أحيانا يريد أن يمشي الشغل وأحيانا أخرى يقف معك ويقول كلام الماكيير صحيح، ولكننا في نهاية الأمر نستطيع أن نتوصل إلى حل... شخصيا في أعمالي أصر على رأيي والمخرجون الذين أعمل معهم يوافقونني الرأي.
خلال فترة موسم عاشوراء وفترة شهر محرم لديك مشاركات في عدد من الأعمال المسرحية الدينية، فهل لك أن تطلعنا على هذه المشاركات؟
- لي تجربة مع المسرح الحسيني في موسم عاشوراء، إذ قدمنا أعمالا كثيرة لجمعية التوعية الإسلامية وغيرها. أما حاليا فلدينا عمل كبير مع المخرج محمد الصفار سيعرض بعد عاشوراء إن شاء الله، وأشارك فيه بالماكيير والإضاءة، كما يشارك معنا أخي علي حسين من خلال الديكور والملابس، كذلك أشارك في عدد من الأعمال الحسينية بعضها بوضع المكياج والبعض الآخر بالإضاءة والديكور.
وعلى صعيد عام، ما أعمالك المقبلة كختام لهذا الحوار؟
- سأشارك في «مهرجان المسرح العربي» في القاهرة بمسرحية من تأليف حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، وإخراج أحمد عبدالحليم، وبمشاركة مجموعة من الممثلين المختارين من دول عربية مختلفة... ستفتتح المسرحية في مصر، ثم سنقدمها في عدد من الدول العربية، على اعتبار أنها باكورة أعمال الهيئة العربية للمسرح.
يمكنكم الاستماع إلى اللقاء على:
موقع الصحيفة www.alwasatnews.com
العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ