العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ

العلامة المقدس الشيخ محسن بن الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الجمري (قدس سره)

علماؤها

كان مولده قدس سره في سنة 1306هـ (1889 م)والتحق بالرفيق الأعلى في صبيحة يوم الجمعة 26 ربيع الاول سنة 1356هـ (1937م). وقد تفضل الأديب الخطيب الشهير محمد جعفر ابن المترجم - مشكورا - بكتابة الترجمة الوافية التالية لوالده رحمه الله تعالى:

المحدث الفاضل الأديب الكامل الورع التقي محسن بن الشهيد الشيخ عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالله العرب الجمري البحراني. كان قدس سره من العظماء كما دلت عليه مؤلفاته وإجازاته وشهادات من كانت له معه رفعة العلاقة والحادثة من أمثال العالمين الكبيرين الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني والشيخ باقر أحمد آل عصفور أعلى الله مقامهما، وقد دونت أقوالهما فيه مباشرة في أيام اتصالي بهما، بل كان قدس سره معروفا في الحوزة العلمية في النجف الأشرف كما أخبرني بهذا العلامة الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني أعلى الله مقامه:

كان قد بدأ تتلمذه على والده حيث درس على يديه النحو وبعض المقدمات العلمية، ثم بعد ذاك تتلمذ على يد العلامة الورع الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز الجدحفصي المتوفى سنة 1337هـ (1919م) وبعد بضع سنين هاجر إلى مدينة تاروت، إحدى مدن القطيف فقرأ على العلامة الشيخ منصور بن عبدالله آل سيف البحراني نحو سنتين، ثم أقفل راجعا إلى وطنه البحرين ومكث فترة مواصلا تحصيله، ثم أقلع إلى القطيف ونزل قرية الدبيبية وقرأ على يد الطبيب الحاذق في الحكمة الإلهية والدينية على السواء العلامة الشيخ محمد بن ناصر الخطي المتوفى سنة 1348هـ (1929م) بضع سنين وفي سنة 1340هـ (1920م) كتب في القطيف رسالة يبدو أنها الأولى. مناقضا فيها أجوبة بعض المسائل في الأصول وبعث بها إلى والده فلما قرأها أراها الشيخ سلمان بن أحمد التاجر وكان له صديقا حميما فلما وقف عليها كتب إليه بنصيحة ويشير عليه بالهجرة إلى العراق لطلب المزيد من العلم فوقع ذلك منه موقع القبول فهاجر إلى النجف الأشرف. وقرأ على أيدي مجموعة من أكابر علمائها ولاسيما العلامة الجهبذ أبو تراب «قدس سره» وقد حظي باحترامهم وتقديرهم، فنال من علومهم وفنونهم الحظ الأنفس، فعززوه بإجازاتهم التي دلت على وفرة علمه، ثم عاد إلى وطنه البحرين بعد شهادة أبيه عالما فاضلا على أحسن ما يتطلب من حملة العلم ثقة وأمانة وورعا وصلاحا وزهدا، فكان بذلك موضع تقدير العارفين.

عاش «قدس سره» في قريته عاملا بعلمه قانعا بما منحه الله من الرزق، لم يتطلب شهرة ولم يتطلع إلى منصب. ومن الجدير بالذكر أن منصب القضاء كان قد عرض عليه فرفضه وكان متفننا في جل العلوم وقد خصص جل وقته للبحث والدرس والتدريس في داره حيث التحق بمدرسته عشاق العلم ورواد المعرفة، وإن منهم العالم الفاضل الشيخ عبدالمحسن بن الحاج حسين آل شهاب الدرازي البحراني صاحب كتاب «المفاد في شرح بعض عبارات السداد» للعلامة الكبير الشيخ حسين بن إبراهيم آل عصفور الدرازي البحراني أعلى الله مقامه.

وقد ثابر رحمه الله على ذلك حتى السنة الرابعة والخمسين بعد الثلاثمائة والألف للهجرة حيث توقف عن ممارسته أعماله بسبب انحراف صحته الذي حال بينه وبين تحقيق أمنياته، وقد نقل إلى العلاج بمستشفى الاعتماد البريطاني الكائن يومذاك في رأس رمان إحدى ضواحي مدينة المنامة العاصمة، ومكث فيها فترة لم تدم طويلا، ثم صار طريح الفراش المرض بمستشفى الإرسالية الأميركية الكائن في الجهة الجنوبية الشرقية من المنامة، وبقى فيها مدة طويلة حتى استؤجرت له دار من قبل زوج أختي الثانية المرحوم الحاج خلف بن الحاج عبدالله بن نصيف الجمري المتوفى يوم الخميس الثاني من ذي العقدة سنة 1383هـ (1963م).

وكانت تلك الدار بفريق الحمام الكائن في الجهة الجنوبية الشرقية من المنامة ومالكها آنذاك السيد علوي بن السيد محمد بن السيد ناصر من أهالي المنامة، وقد خصصت لنقله إلى المستشقى المذكور سيارة أحد الجيران وهو السيد أمين بن السيد جواد بن السيد علوي بن السيد جواد «الأسرة المعروفة» وواضب على العلاج، لكن صحته تدهورت تدهورا خطيرا، ولما كانت تلك الأيام في علم الله هي النهاية لمسيرة حياته، اختاره المولى سبحانه إلى جواره في جنبات تلك الدار الآنفة الذكر بعد معاناة قاسية صحبته طيلة أواخر عمره، وصعد بروحه إليه صبيحة الجمعة 26 من ربيع الأول سنة 1356هـ (1937 م)، وكان يومها في أوائل العقد الخامس من عمره، وكان مولده رضوان الله عليه في السنة 1306هـ (1889م).

وبرحيله انطفأت شعلة وهاجة، وخسرت البحرين بفقده ابنا بارا من خيرة أبنائها، وعلما بارا في مقدمة أعلامها، طالما تحدثت عنه المحافل العلمية بغير قليل من الإعجاب، في الداخل والخارج وقد نعاه الناعون في كل من البحرين والبلدان المجاورة، كما نعته الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

كما أخبرني أيضا العلامة الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني. وقد أقيمت عليه مجالس الفاتحة في مختلف أرجاء البحرين، وفي كل البلدان التي يطرق سمعها خبر وفاته، ثم نقل الجثمان الطاهر مباشرة وفي نفس اليوم من المنامة إلى قرية بني جمرة بواسطة السيارة ومن خلفها أرتال من السيارات وتقاطرت الكتل البشرية من المدن والقرى بعد سماعها خبر الفاجعة، وغصت بها طرق القرية وفلواتها، وهي تردد كلمات الحزن، وكان بحق تجمعا لائقا بمثله.

وجيء به إلى داره لتلقي العائلة المفجوعة عليه آخر نظراتها الوداعية، وكان المشهد - كما قيل لي - شبيها بيوم عاشوراء الحسين عليه السلام. وقد أحسست يومها بمرارة الفراق ووطأة الألم، ونظرا لحداثة سني لم أدرك ما كان يجري، وحمل بعدها على أكتاف تلك الحشود الباكية إلى مثواه الأخير بمقبرة القرية، وكان في المقدمة العلماء الأعلام، ودفن بجنب مرقد والده ليلة السبت 27 من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1341هـ (1923م).

آثاره العلمية

(1) مصباح الهدى في صحة تقليد موتى العلماء.

(2) تعمير الأوقاف.

(3) الهداية.

(4) علم التجويد.

(5) علم الزبر والبينات.

(6) رسالة في الغسل.

(7) علم الجفر.

(8) تكسير الحروف.

(9) استخراج السؤال بالحروف الأبجدية.

(10) علم الرمل.

(11) النصيحة. وهي رسالة كان قد كتبها خصيصا لطلبة العلم وحذرهم فيها من المساس بقدسية الفقهاء العظام من الأخباريين والأصوليين وقد وزعت في الحوزات العلمية في كل من العراق وإيران.

أما الشعر فقد ترك ما يخلد به ذكره مما يتصل بأهل البيت عليهم السلام مباشرة ومنه قوله متشوقا لزيارة أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين (ع)، جاء فيها:

يا أبا الفضلِ إليك المقصدُ

وعليكم سيدي أعتمدُ

وإليك الملتجا والمشتكى

من زمانٍ بالأذى لي يقصدُ

بسهام الغدر نحوي قد رمى

فأصيبت بالسهام الكبدُ

وبعين المكر لي شزْرا رنا

ولأهل الودّ عني يبعدُ

وبلى ضاق به صدري ولا

غيركم في دفعه أعتمد

فإلى من يلتجي العبدُ ومن

يرتجي إن باب خطب نكدُ

وقال في مدح أمير المؤمنين عليه السلام

لذ بالوصي أمير المؤمنين علي

إنْ رمت تنجو من الأخطاء والزللِ

بجاهه فتوسل للإله إذا

ما أزمة نزلت واسأل به تزلِ

وامسح بعتْبته ما شئت من ألمٍ

فإنها مرهمٌ كانت إلى العللِ

ولا تخف إنْ به استعصمت معضلة

ولا تهب أحدا من سائر المللِ

قالها في النصح:

أخوك فإنه حصن حصين

إذا نابتك نائبة الزمان

وإن بانت مساءته فهبها

لما فيه من الشيم الحسانِ

تريد مهذبا لا عيب فيه

وهل عود يفوح بلا دخانِ

وله التخميس التالي:

كنت عزا ومؤلا وثمالا

وعليك الوجود كان عيالا

ولكل الأنام كنت ظلالا

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا

كيف تبقى معفرا في الوهادِ

وترض الأضلاع منك العوادي

وبجنب الفرات تذبح صادي

ما توهمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدرا مكتوبا

وقد رثاه ابنه الخطيب الأديب محمد جعفر بالقصيدة المخطوطة على قبره الشريف وهذا نصها الكامل:

رحلت عن العالم المتعبِ

إلى العالم الواسع المخصبِ

وها هي أحزاننا غضة

ملوعة فقدك لم تذهبِ

بكتك بلاد أوالٍ أسى

وكل ديار بني يعربِ

وكل المعاهد في كابلِ

وقمٍ وفي النجف المنجبِ

لإن غبت عنا ببطن الثرى

فروحك ما بيننا يا أبي

لك الله من غائبٍ حاضرٍ

كأنك لست من الغيّبِ

فأنت بأفئدة المخلصين

لأن معينك لم ينضبِ

فعمرك أفنيته مرشدا

ولم تتشاغل عن الواجبِ

وأعرضت عن مغريات الدنى

وأثبت أنك حرٌ أبي

دُعيت لتشغل سلك القضاء

فلم تتطلع إلى المنصبِ

رضيت بما أنت فيه وفي

سواه أبي قط لم ترغبِ

سلكتُ مسارك يا سيدي

ففزتُ بمنهله الأعذبِ

رأيتَ نعيم الدنى زائلا

فأعرضتَ عنه إلى الأطيبِ

عرفناك بالحزم في كل ما

يخص الحقيقة للأصوبِ

نماك أبوك الشهيد الذي

رأيناه فيك بما قد حبي

فلله درك من زاهدٍ

مشيت على نهج طه النبي

مقامك في الخلد عالٍ يُرى

مضيئا من البعد كالكوكبِ

تلذ بما فيه من مأكلٍ

شهي وما فيه من مشربِ

تروح وتغدو به هانئا

بعيدا عن الصخب المرعبِ

فعش في النعيم كما تشتهي

فها أنت قد فزت بالمأربِ

صبرت وصبرك فاق الحدود

فنلت به أطيب الطيّبِ

سلامٌ عليك أبي كلما

شدى الطيرُ في منبتٍ معشبِ

هذا ما كتبه حفظه الله تعالى عن والده المقدس. وقد رأيت أن أضيف إلى ذلك ما سمعته عن المترجم رحمه الله من أمور لا تعدم الفائدة، ولها علاقة بتحديد هويّته، والكشف عن رصيده الإيماني والعلمي.

حدثني الخطيب الملا جاسم محمدحسن نجم الجمري بأن المترجم قدس سره سُمِع منه قرب وفاته يردّد هذه الجملة: «ديني دين آل محمد».

حدثني سماحة السيد جواد السيد فضل الوداعي حفظه الله تعالى أوائل هجرتي إلى النجف الأشرف عن العلامة الجليل المرحوم الأستاذ الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعّان البحراني قدس الله نفسه أنه قال: إن الشيخ محسن تُشمّ منه رائحة الفقه - أي الاجتهاد -.

وللشيخ طيّب الله ثراه وكالة في تولّي الأمور الحسبية من قبل سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد أبوالحسن الأصبهاني طيّب الله ثراه مؤرخة في 21 جمادى الثانية سنة 1346هـ (1927 م)، وفيما يلي نص هذه الوكالة:

«بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وتسليماته على أفضل رسله محمد وآله الطاهرين. أما بعد فلا يخفى على كافة إخواننا المؤمنين الموحدين وفقهم الله لجوامع الخير والسعادة أن جناب العالم العامل والفاضل الفاصل الشيخ الأجل الشيخ محسن نجل الحاج عبدالله العرب دام فضله وتوفيقه لهو من خيرة العلماء ونخبة الفضلاء فأسأل الله تعالى أن يؤيده بنصره وينتصر به ويجعله ملجأ للدين وملاذا للمؤمنين فلا ريب فقد جعلناه وكيلا عنا في نشر فتوانا الشرعية والأحكام الدينية وتعليم المؤمنين التكاليف والأحكام وما يقربهم إلى الله زلفى وأذِنا له في تولي الأمور الحسبية التي تعود إلى الحاكم الشرعي كولاية الأيتام والأوقاف والمجهول المالك وردّ المظالم وسوّغنا له أن يتناول من سهم الإمام أراوحنا فداه بقدر حاجته منه ويرسل الباقي إلى النجف الأشرف لصرفه على الحوزة العلمية أدامها ربُّ البرية وأوصيه سلّمه الله تعالى أن يسلك فيما يتولاه سبيل الاحتياط فإنه طريق النجاة ومحبوب للأئمة الهداة أ سأل الله أن يوفقه لمراضيه ويجعل مستقبل أمره خيرا من ماضيه إنه أرحم الراحمين. يوم 21 جمادى 2 سنة 1346هـ (1927 م). الأحقر أبوالحسن الأصبهاني»

العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:48 ص

      أمه كانت عابدة زاهدة و قد اشتهر بالعلم و التقوى و شدة الجمال و قد توفى رحمع الله و هو في مقتبل العمر و بقيت أمه فيما تبقى من عمرها تبكيه و تتقلب على فراشها طوال الليل و هي تقول : و أوحشتني و أونست لحور العين يا شيخ محسن ????

    • زائر 1 | 7:40 ص

      سل

      بل ما في تعليقات كلش لاكن الموضوع حلو

اقرأ ايضاً