في السنة السابعة من البعثة النبوية الشريفة، أعلن المشركون فرض الحصار على أتباع الرسالة الجديدة، في إجراءات عقاب جماعي أريد بها تركيع الفئات الصغيرة التي استجابت للدعوة المحمدية.
الحصار بدأ بوثيقةٍ كتبها منصور بن عكرمة، تنصّ على مقاطعة بني هاشم وحصرهم في شعب أبي طالب، حتى يموتوا جوعا وعطشا، أو يُسلِموا محمدا (ص) للعدالة القرشية... ووقّع عليها أربعون من كبار رجالات مكة، وعلّقوها في جوف الكعبة.
الإجراءات كانت تدل على أنها أكبر من حرب تجويع وإنهاك واستنزاف قوى، لأنها تحوّلت إلى حرب وجود، بمنع الزواج منهم أو تزويجهم، فضلا عما تختزنه من ثأرٍ وإذلالٍ وتركيع. وبعد أن شارف المسلمون على الهلاك، ثارت حمية أحد المشركين وهو يرى ضحايا الحصار يتساقطون، فلجأ إلى اتفاقية العار ومزّقها، وبذلك تمزّق التحالف الجائر وسقط الحصار.
بعد 1437 عاما، يشهد التاريخ سيناريو حصار جديد، حيث يقف العالم المتحضّر متفرجا على ما يجري من حصار لمليون ونصف المليون فلسطيني، عربي، مسلم/ مسيحي، إنسان. المفارقة أن الحصار الجديد فرضته «إسرائيل»، بمشاركة ومباركة حلفائها وأصدقائها ومحبيها الكثر، عربا وأجانب!
منْ نقَض الحصار هذه المرة، وهذه هي المفارقة الثانية، هم مجموعةٌ من الأحرار الأجانب، استأجروا مراكب صغيرة من قبرص ليرسلوها في حملات، تحمل لأهل غزة بعض المؤن والأطعمة والأدوية، فيما بقيت أمتنا العربية الأبيّة تتفرّج على المهزلة، وكأن المحاصَرِين مجموعةٌ من الحشرات والجرذان... «تتحرّك دكّة غسل الموتي وما تهتز لكم قصبة» كما قال مظفّر النواب.وزير خارجية أكبر بلدٍ عربي مساهمٍ بفعالية في حصار غزة وتجويع أهلها، ومنع القوافل الشعبية من الوصول إلى حدودها، خرج عن صمته بأطروحةٍ يستحق عليها درجة الدكتوراه حين قال: «إن إيران لا تسعى إلى خير الشعب الفلسطيني بل لتحقيق مآرب خاصة بها». فلتسع هي لتحقيق مآربها الخاصة، ولكن ماذا عن سياسات دولنا العربية؟ تخدم مآرب من؟ فمن الواضح المؤكد أنها لا تحقّق خيرا للشعب الفلسطيني الشقيق.
الوزير يقول إن بعض الفلسطينيين أصبحوا لعبة بيد تلك الدولة، فلنذهب مع هذا المنطق الأعوج إلى باب بيته: من الذي دفعهم لذلك، أليس ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة ولؤما؟ ننتقد الإيرانيين لأن لديهم سياسة ينتهجونها تجاه قضايا المنطقة، ويعتبرون أنفسهم لاعبا أساسيا، ولا نلوم أنفسنا لأننا قبلنا بدور المنخنقة التي تقاد للسلخ دون أن تصرخ بكلمة «أف» أو «آه»؟ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» (أحد علامات العار في الجبين العربي) أعلنت أمس (الخميس) عن إيقاف كل مساعداتها الغذائية للاجئين في قطاع غزة بسبب نفاد مخزونها، وبالتالي سيجوع 750 ألف فلسطيني، عربي، مسلمٍ، إنسان... وسيزيد تدهور معيشة القطاع. ولما اجتمعت جامعتنا العربية قبل شهر لم تجد غير الأوهام الكاذبة تبيعها للفلسطينيين الجياع. ثم نوبّخهم إذا قبلوا مساعدات دولةٍ إسلاميةٍ مجاورة. ساهمنا في تجويعهم وإذلالهم... ونقرّعهم لأنهم مدوا أيديهم لليد التي تمدّهم بالطعام!
لعل بارقة الأمل الوحيدة في هذا الليل البهيم، مبادرة الأحزاب القومية والإسلامية لدعوة الشعوب العربية المكبّلة لإنهاء الحصار. أما «مصر فباقية على عهدها وعلى التزاماتها الدولية»، التي تمنع مدّ الجياع بالطعام، وتهدّد بكسر أرجلهم إذا اقتربوا من الحدود! وأمجاد يا عرب آخر الزمان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ