في ظل الأزمة المالية العالمية، تسعى البلدان التي مستها تلك الأزمة، أكثر من سواها، إلى اللجوء إلى موارد جديدة، أو إعادة النظر في قنوات دخل قائمة من أجل تطويرها أو زيادة الدخل المتأتي من وراء استخداماتها. وتعد سويسرا كأحد البلدان التي يمكن أن تتخذ كنموذج ناجح في هذا المجال. فإلى جانب السمعة الدولية التي تتمتع بها سويسرا، كأحد أهم مراكز المال في العالم، عرف عنها أيضا كونها من أفضل المنتجعات الصحية التي تلجأ إليها بعض العائلات الغنية، ومن بينها عائلات خليجية، من أجل الاستمتاع بالرعاية الصحية التي تتوفر هناك. وكما يبدو فقط طورت سويسرا ذلك إلى شكل من أشكال السياحة التي أصبحت تعرف اليوم باسم «السياحة الصحية، حيث، وكما يقول تقرير نشره موقع «سويس إنفو» (http://www.swissinfo.ch/ara) تتضافر اليوم جهود مجموعة من المؤسسات للاستفادة من خدمات منظمة الصحة السويسرية من أجل الترويج لسويسرا كوجهة صحية. ومن بين الفئات المُستهدفة المرضى من الهند وروسيا والشرق الأوسط». وكما يقول التقرير ذاته فقد تأسست: «الصحة السويسرية» من أجل «تنشيط التجارة السويسرية في الخارج «أوسيك»، وهيئة «السياحة السويسرية»، بهدف تجميع المستشفيات والمصحات التي لا يسمح لها صغر حجمها بتسويق خدماتها بإمكانياتها الخاصة».
والسياحة الصحية ليست صناعة جديدة كما يتبادر إلى الذهن في الوهلة الأولى، إذ ترجعها بعض المصادر إلى اليونان القديمة التي تنتشر فيها اليوم ما يربو على 752 نبعا ساخنا يشكلون بنية تحتية جيدة لسياحة صحية. وتقول الأساطير اليونانية: «إن الإغريق هم أول من استخدم هذه الينابيع للاستجمام الصحي، وإنها كانت معروفة لديهم منذ خمسة آلاف عام مضت وإن آلهتهم أكرمتهم بأن اقتطعت لهم ينابيع من الجنة وأنزلتها إلى الأرض، ووضعتها لهم وسيلة للعلاج، وعليهم البحث عنها حيث توجد هذه الينابيع الساخنة، وأصبحت هذه الينابيع مزارا لكبار فلاسفتهم وقادة جيوشهم الغازية، وفي هذه المصحات الطبية، تقدم أنواع عديدة من العلاج الترفيهي، والذي يعالج النفس القلقة قبل معالجة الجسم المنهك».
أما اليوم، فقد باتت السياحة الصحية صناعة قائمة بذاتها تتكامل مع الصناعات الأخرى بما فيها صناعة الخدمات الصحية ذاتها. ففي تركيا على سبيل المثال، تسعى تركيا، كما جاء على لسان المدير الإقليمي للسياحة التركية في منطقة الشرق الأوسط بدبي أمين كايا، «لاحتلال مركز الصدارة في صناعة السياحة العلاجية بحلول العام 2023 مشيرا إلى تركيا تحتضن أكثر من ألف و500 مركز علاجي طبيعي منتشر في كل أنحاء البلاد، مضيفا أننا نسعى لاحتضان السياح الراغبين في قضاء عطلة مزدوجة سياحية وعلاجية في أن واحد».
أما في ألمانيا وكما يقول مدير أعمال فنادق الاستجمام والاستحمام في ألمانيا ميشاييل ألتفيشير: فمن الصعب الفصل بين الاستجمام السياحي والاستجمام الصحي، ويؤكد أن «المعروض السياحي الألماني في الاستجمام والصحة يمتاز بالكفاءة والجودة العاليتين لأن تلك المراكز المختصة تقدم برامج شاملة يتم بلورتها تماشيا مع المتطلبات الشخصية للزائر». وفي الآونة الأخيرة تبوأت ألمانيا موقعا متميزا في قطاع السياحة الصحية فقد «ارتفع عدد الحجوزات لدى الفنادق بفضل المعروض السياحي في مجالي الاستجمام والصحة من جهة ومن جهة أخرى بفضل أسفار العمل الوافدة من البلدان الأوروبية التي ارتفعت في العام 2006 بنسبة 16 في المئة لتحقق الفنادق الألمانية العام 2006 من أسفار العمل وحدها حجم عائدات يتجاوز 11 مليار يورو». كما ورد في موقع مؤسسة دويتشه فيله (DEUTSCHE WELLE)، ((http://www.dw-world.de.
وفي الشرق الأقصى تجاوز عدد المواطنين الإماراتيين الذين اتجهوا إلى تايلاند خلال النصف الأول من العام 2008، 40 ألف مواطن 20 في المئة منهم قصدوها للعلاج، بحسب المسئول عن التأشيرات في السفارة التايلاندية في أبوظبي ديتشاي نيومديتشا.
وعلى المستوى العربي تحتفظ تونس بموقع متقدم في هذا المجال، حتى على المستوى الدولي، ويؤكد مسئولون تونسيون أنه بينما ينفق «السائح التقليدي ما بين 300 و400 يورو أثناء إقامته فى حين تصل فاتورة السائح الطبي نحو 4 آلاف يورو على الأقل». وقد حرصت تونس على إيلاء هذه الصناعة كل الاهتمام من خلال وضع برامج استشرافية أهلتها إلى أن تكون منطقة استقطاب دولية للسياحة الصحية.
وتحتل تونس، كما جاء في موقع (http://www.tunisia-sat.com) «المرتبة الثانية عالميا بعد فرنسا في مجال السياحة الاستشفائية والمعالجة بمياه البحر وتجاوز عدد مراكز المعالجة بمياه البحر فيها الأربعين موجودة فى فنادق من فئة خمس نجوم».
وكما يتنبأ خبراء سياحيون، بأن في وسع تونس أن «تتحول فى المدى القريب إلى وجهة إقليمية وعالمية للخدمات الصحية المتطورة بفضل خطة تهدف إلى الرفع من نسق الاستثمارات في البنية الأساسية والموارد البشرية ذات الكفاءات العالية في مختلف الاختصاصات وتمتد هذه الخطة إلى أفق 2016».
وطالما أن البحرين تبحث عن مجالات جيدة لتنويع أنواع الدخل، وعلى وجه الخصوص في قطاع السياحة، فمما لا شك فيه أن قطاع «السياحة الصحية» يعتبر من المجالات الخصبة التي ينبغي التفكير فيها وإعطائها ما تستحقه من اهتمام
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ