الإنجاز الكبير وغير المسبوق والفريد الذي تحقق على يد المدرب الوطني القدير سلمان شريدة يوم حقق بطولة الكأس الآسيوية بعدما هزم الصفاء اللبناني في جولتي الذهاب والإياب وبنتيجة (10/5) للمباراتين، هذا الإنجاز أعطى مساحة واسعة لزرع الثقة بالمدرب الوطني الذي يعمل ويعمل من أجل أن يصل إلى النقطة التي يحقق فيها الإنجازات المشهودة.
المدرب الوطني سلمان شريدة قبل التدريب كان لاعبا مرموقا ومخلصا لقميصه الأحمر، وشاهدناه على أرضية الملاعب كالشعلة والشرارة التي لا تنطفئ، وله الكثير من الصولات والجولات. ولن ننسى نهائي كأس الاتحاد في بداية السبعينات عندما واجه فريقه النسور (الأهلي) في النهائي والذي تقدم فيه النسور بهدفين نظيفين من حسن زليخ ويوسف شويعر، ولكن سلمان شريدة في تلك المباراة كان فيها الصائل المتحمس والمتألق بفنياته، استطاع بعزيمته وإصراره أن يقلب الموازين بل الطاولة على النسور في غضون 20 دقيقة تقريبا من الشوط الثاني. ولن أنسى ذلك الهدف الرائع هدف الفوز عندما مر من كل من واجهه في الدفاع حتى استقرت الكرة في مرمى النسور محرزا الهدف الثالث والفوز وسط ذهول واستغراب كل جماهير النسور التي خرجت متحسرة ونادمة. فهذا هو سلمان شريدة اللاعب، ولكن هناك وجه آخر لهذا النجم الكبير هو سلمان شريدة المدرب صاحب المشوار الطويل الحافل، حقق فيه الكثير من البطولات المحلية سواء كان ذلك مع المحرق أو الأندية الأخرى. وكانت له بعض المحاولات الجادة في انقاذ أندية من الهبوط ونجح فيها بامتياز كالشباب والبحرين والشرقي.
هذه الأمور ما كانت تحدث أبدا لولا الإصرار والعزيمة والتحدي مع النفس على مواصلة المشوار بالروح القتالية نفسها التي كان يتمتع بها هذا النجم لاعبا ومدربا. التحدي الكبير الذي يمتلكه هذا المدرب الشجاع مع نفسه جعله دائما يقبل بالمهمات الصعبة في أوقات قد يرفضها المدربون الآخرون.
واستلامه قيادة المحرق في الموسم قبل الماضي لم يكن في أجواء مريحة، بل جاء ذلك بعد الخسارة المرة التي تعرض لها الفريق من الحالة بسداسية تاريخية كادت تعصف بالأحمر، ولكن قيادة سلمان شريدة للسفينة المحرقاوية بأمان اوصلتها إلى منصة التتويج بعدما رتب الأوراق وزرع الروح القتالية الجديدة في نفوس اللاعبين الذين بادلوه هذه الروح، فانقضوا على درع الدوري بكل جدارة واستحقاق، ليؤكد أن المدرب الوطني متى ما اجتهد وزرع في نفسه الشجاعة والمجازفة والتحدي فإن طريق النجاح لن يكون بعيدا.
قد يقول قائل «أعطني العنصر البشري ما لدى شريدة من نجوم في الفريق فسترى ما سأفعل». نحن نجيب انه من الصعوبة جدا أن يكون لديك صفان من اللاعبين المتميزين، فإذا لم تُجِدْ لعبة إشراك اللاعبين في أماكنهم المناسبة والتوقيت فإنك ستفشل، فهناك الكثير من المنتخبات والأندية على مستوى العالم لديهم ما لدى شريدة من النجوم ولكنهم فشلوا في تحقيق الإنجازات. فالفريق الملكي في إسبانيا ريال مدريد جلب نجوم العالم إليه ولكن مدرب الفريق لم يستطع أن يرتب أوراقه ويفوز بالبطولة آنذاك... إذا أين الخلل في ريال مدريد، هل من المدرب أم النجوم أم الرئيس الذي فكر بتكديس هؤلاء من دون أن يجد لهم طريقا للعلاج النفسي في المشاركة من عدمها ففشل في رهانه! شريدة واجه ظروفا صعبة عندما لعب على جبهتين داخلية وخارجية، أضف إلى ذلك أن الأجواء لم تكن في صالحه من خلال جداول مبارياته المتلاحقة في الدوري المحلي والقريبة من مشاركاته الخارجية من دون أن يكون هناك التعاون الواضح من قبل اتحاد الكرة وكان ذلك على حساب البطولات المحلية. وعلى رغم ذلك والألم الذي يكنه شريدة في نفسه من جراء عدم التعاون لإعداد المحرق لكي يحقق الإنجاز الفريد، فإنه سما على جراحاته وآلامه وتخطى الصعاب ليؤكد للجميع أن المدرب الوطني المكافح والباحث عن الجديد ومن لديه النظرة الثاقبة والخبرة الكافية بإمكانه تحقيق ما حققه المدرب القدير شريدة من إنجاز غير مسبوق للكرة البحرينية، وإن تذكرنا بطولة الشرق الأوسط للكرة العسكرية والتي حققها منتخبنا العسكري في قطر مع 3 منتخبات فقط، إلا أن إنجاز المحرق بقيادة شريدة له طعم آخر بعد هذه السنوات المرة، وقد يفتح لنا الباب في فك النحس عند بطولة الخليج (19) المقبلة.
عموما الحديث عن شريدة لا يمل بل يعطيك الحماس من أجل التحدث عن مدرب كافح وكافح لنفسه ولناديه ولوطنه حتى وصل إلى ما خطط له من زمن بعيد، دخل فيه تجارب عدة ومجازفات كثيرة منها تجربة باكستان التي تحدثنا عنها طويلا فنال ما نال منها من إشادة. واليوم تتكرر الإشادة بهذا النجم الكبير في عالم التدريب الذي فتح الآفاق الكبيرة للمدرب الوطني بأن يزرع في نفسه الروح القتالية ومكابرة النفس والتحدي حتى يصل إلى ما وصل إليه شريدة. وأنا متأكد يقينا أن لدينا مجموعة كبيرة من المدربين الوطنيين الذين يمتلكون روح شريدة وتحديه وفكره في التدريب، فهم فقط يحتاجون إلى الفرصة الكافية لكي يثبتوا فيها وجودهم وهم أهل لذلك.
إنجاز شريدة إنجاز للمدرب الوطني من دون شك، ما يجعل المسئولين في الهرم الكروي على قناعة تامة بأن ابن البلد والوطن لا يقل كفاءة عن الأجنبي إن لم يكن أفضل؛ لكونه يحمل الغيرة على بلده، وبالتالي يحتاج الى الإمكانات التي توفر للأجنبي حتى يستطيع أن يبدع ويعطي ما لديه من فكر تدريبي. وشريدة عندما حصل على الإمكانات من إدارة المحرق شاهدناه كيف أبدع في الحفاظ على الألقاب وإحراز الإنجاز الفريد. وهذا هو حال المدربين الوطنيين الآخرين الذين تستعملهم إدارات الأندية كمدربي طوارئ وهذا أمر خاطئ عفا عليه الزمن، ولذلك على الأندية واتحاد الكرة أن يفتحوا صفحات جديدة مع المدرب الوطني ويعطوه الفرصة الكافية لإثبات الوجود وخصوصا في مرحلة بناء الفرق المستقبلية بعدما شرفنا شريدة بإنجازه.
ونبارك للنجم الكبير ملك المدربين سلمان شريدة وللمدربين الوطنيين هذا الإنجاز الرائع، متمنين لكل المدربين الوطنيين التوفيق والنجاح في مشوارهم التدريبي
إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ