طبعا التمييز شرٌ مطلق، هذا هو التاريخ فاقرأوه، ففيه ألف درس وعبرة، ومن يدافع عن «جريمة التمييز»، فإنّما يضرّ النظام السياسي، قبل أن يضرّ المعارضة والمجتمع المدني وحركة حقوق الإنسان.
بعض المدافعين عن أنظمة وسياسات التمييز اليوم، لا يدركون إنهم بمناكفاتهم الباردة ودفوعاتهم الهزيلة، إنما يسهمون في تأخير ولادة عصر جديد غير طبقي، مازالت تنتظره البحرين منذ مئة عام. ففي كل هبّة أو حركة مدنية تبرز قوى متمصلحة لتدافع عن أنظمة التمييز والامتيازات الطبقية، بألسنةٍ حداد.
هؤلاء لا يدركون إنهم يقفون في وجه حركة التطور الاجتماعي، لأنهم ببساطةٍ لا يفقهون حركة التاريخ. فما يجري من احتجاجٍ عالي النبرة ضد التمييز، من قبل الفئات التي تتعرض للتهميش والإقصاء اليوم في البحرين، سيعتبر أحد مفاخر هذا الشعب، الساعي لغدٍ أفضل... تحكمه قيم المساواة والعدل وتكافؤ الفرص. وإسقاط القيم الجاهلية لصالح القيمة الخالدة التي أرساها محمد بن عبدالله (ص) في ثورته الإصلاحية الكبرى: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». ومؤسفٌ جدا أن يكون بعض أدعياء الإسلام السياسي في البرلمان يقفون اليوم حجر عثرةٍ في وجه سنّ قانونٍ يحرّم التمييز. بل إن أحد دعاتهم هدّد الشعب البحريني بنشوب «حربٍ أهليةٍ» إذا أقرّ هذا القانون!
اليوم... البرلمان مغلقٌ أمام سنّ قانون ينقذ البلد من براثن التمييز، والاتجاه كما يبدو جارٍ لتطويق أية حركة احتجاج مدنية ضد واحدة من أبشع صور العنصرية، التي تعاقب المواطنين بسبب انتماءاتهم المذهبية التي لا دخل لهم فيها!
المطلوب بعد اليوم، أن تأخذ إذنا من وزارة الداخلية قبل أن تتفوّه برأيك، وإلاّ فأنت مهددٌ بالسجن ثلاثة أشهر، أو غرامةِ 100 دينار! وبعد قليلٍ سيتم إسكات الصحف الوطنية، ومصادرة حقّ الناس في التعبير، باسترجاع القوانين البالية التي كانت تتحكّم في أوروبا في عصر الظلام، وكانت تحكمنا حتى قبل سبعة أعوام، وكأننا نعيش في القرون الوسطى.
هذه الردّة لا يمكن بلعها، فهي تصطدم بالعقل والدين والمنطق والضمير، فضلا عن مخالفتها للدستور وشرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها البحرين قبل عامين.
المدافعون عن أنظمة الامتيازات وسياسات التمييز، وزراء أو مسئولون أو «كتّاب موالاة»، يقفون في وجه الإسلام والحضارة والمروءة والقيم النبيلة والمبادئ الانسانية الفاضلة. وهي حربٌ فاشلةٌ مسبقا، أسلحتهم من تنكٍ صديء، فمهما طالت واشرأبت هذه السياسة المضادة للفطرة، فإنها ستسقط حتما، وستحلّ محلها سياسة إنسانية عادلة يستحقها شعب البحرين. ونحن نراهن على كل الطيّبين والشرفاء والأحرار، وهم كثرٌ في هذا البلد الكريم، سواء في داخل الحكم أو المعارضة، وفي جميع التيارات السياسية والدينية على اختلاف مشاربها الأيدلوجية، وفي الصحافة وقوى المجتمع المدني... وعلى الجميع العمل بإخلاصٍ وتجردٍ وطني، لتصحيح هذا المسار المنحرف، الذي يضرّ بالبحرين وسمعتها بين الدول.
لعلّ أميركا لم تجد ما تقدّمه لاستعادة ثقة العالم بها، وللتكفير عن ظلمها لنفسها وللعالم، غير المجيء بهذا المرشح الأسود البشرة ليحكمها. أما بعض الدول الديمقراطية الأخرى فلم تجد غير اللجوء إلى لغة تخوين مواطنيها، وتكميم أصوات معارضتها، وتهديد نوّابها بالسجن، وقبل ذلك حرمان السلطة التشريعية من سنّ قانون يجرّم التمييز
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ