ثلاث محطات فلسطينية وأميركية وإسرائيلية تنتظر المنطقة العربية ويتوقع أن تكون لها انعكاساتها السياسية على التحالفات والقراءات.
موعد المحطة الفلسطينية في 9 يناير/ كانون الثاني المقبل حين تنتهي مدة رئاسة محمود عباس ويبدأ السجال العنيف بشأن تعديل الدستور أو التمديد أو ربط الرئاسة بالانتخابات النيابية المقبلة.
موعد المحطة الأميركية في 20 يناير 2009 حين تنتهي مراسم التسلم والتسليم ويدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض ويباشر رسميا مهماته.
موعد المحطة الإسرائيلية في 10 فبراير/ شباط حين يتوجه الناخب إلى صناديق الاقتراع ليختار بين «كاديما» و «الليكود» و «العمل»، وبعد ذلك يبدأ التشاور لتشكيل حكومة يرجح أن تلعب دورا في فترة يشهد العالم متغيرات جيوبوليتيكة على مستوى القيادة أو حركة الرساميل في الأسواق الدولية.
المحطات الثلاث مهمة في مواعيدها المتقاربة من جهة كونها مترابطة في تأثيراتها السياسية على الموضوع الفلسطيني وامتداداته العربية والإقليمية ومن جهة تصادفها الزمني وتعبيراتها عن سمات مراحل انتقالية لن تكون متطابقة مع فترات سابقة.
المحطة الفلسطينية التي يتصادف توقيتها الأولى تشكل خطوة للتعرف على حقيقة توازن القوة بين «حماس» و«فتح». فالحركة التي فرضت سيطرتها بالقوة المسلحة على قطاع غزة وتفاوضت سرا مع تل أبيب وصاغت «اتفاق هدنة» مع حكومة إيهود أولمرت أخذت تطور طموحها وبدأت تتحدث عن اقتسام السلطة في الضفة الغربية واستعدادها لتمديد فترة الهدنة مع «إسرائيل» حتى تتفرغ للمواجهة الدستورية السياسية مع «فتح» في مطلع العام الميلادي المقبل. والكلام الذي أكده إسماعيل هنية عن استعداد «حماس» لتمديد الهدنة مع تل أبيب يشير إلى نوع من التساكن الأمني بين قيادة القطاع و «إسرائيل» ويكشف بوضوح عن نزعة سياسية تريد التخلص من إرث آيديولوجي استخدم في مرحلة المواجهة مع «فتح» وتحول إلى عبء بعد النجاح في الهيمنة على القطاع. فالحركة التي قادت معارك آيديولوجية بذريعة التحرير الشامل والكامل وعدم التفريط بالتراب ورفض الهدنة العسكرية مع الاحتلال باتت في موقع الحريص على لعب دور «حارس حدود» وتريد أن تستثمر هذا الدور في المعركة الداخلية مع «فتح» في الضفة. والتعايش الذي أشار إليه هنية ليس بعيدا عن ذاك التصريح الذي أدلى به خالد مشعل بشأن رفض «حماس» القاطع لتجديد رئاسة عباس في الضفة. مشعل يريد توظيف الهدنة مع تل أبيب لتحسين شروط التفاوض مع حكومة رام الله. وهذا ما ظهر حين قررت «حماس» مقاطعة لقاء الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة بذريعة اعتقال مجموعة من أنصار الحركة في الضفة. وبغض النظر عن صحة المعلومة تبدو الخطوة إشارة إلى وجود خطة تصعيد يحضر لها سياسيا في الضفة الغربية في ظرف دولي تشهد فيها الولايات المتحدة حركة انتقالية من الحزب الجمهوري إلى الديمقراطي.
محطات انتقالية
المحطة الأميركية المؤقتة في 20 يناير المقبل يرجح أن تترك انعكاساتها على متغيرات المنطقة بناء على التوجهات التي يريد الرئيس باراك أوباما اعتمادها. ويبدو أن «حماس» ترى في هذه المحطة الانتقالية فجوة زمنية تستطيع الاستقواء بها وربما استخدامها لتعديل توازن القوة في السلطة الفلسطينية وتحويل الأمر الواقع إلى ورقة تفرض شروطها على المعادلة الإقليمية ما يدفع واشنطن إلى أخذها بالاعتبار والتعامل معها في حال قررت مواصلة التفاوض تحت سقف «مؤتمر انابوليس، وتقرير بيكر - هاملتون وتأكيده ترابط حلقات أزمات المنطقة.
المحطة الأميركية في جانبها الفلسطيني لا يمكن فصلها عن خطوات التصعيد التي اتخذتها «حماس» بشأن الحوار مع «فتح» والتفاوض على تعديل توازن القوة في دائرة السلطة وانقسامها بين الضفة والقطاع. كذلك لا يمكن فصل المحطة الأميركية في جانبها الإسرائيلي عن موعد الانتخابات التي ستترك تأثيرات استثنائية في التوجهات التي تعتزم تل أبيب اتخاذها في السنوات الأربع المقبلة.
الانتخابات الإسرائيلية في 10 فبراير تشكل محطة زمنية مهمة في تأثيرها على المسار الفلسطيني ومدى استعداد تل أبيب مواصلة التفاوض مع السلطة في حال انهارت سياسيا أو تغير شكلها أو تمددت فترتها من دون توافق وطني. وهذا الأمر ينتظر مجموعة تحولات منها نجاح القاهرة في ضبط الحراك الفلسطيني تحت سقف المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت وتجدد التأكيد عليها في قمة الرياض. فإذا نجحت القاهرة في مسعاها تكون أعادت «حماس» إلى الخريطة الفلسطينية - العربية ومنعتها من الانزلاق نحو فتنة أهلية تعطل إمكانات الضغط على تل أبيب للقبول بالمبادئ العامة للتسوية. وإذا فشلت مساعي الحوار تكون «حماس» قررت تثبيت الهدنة مع تل أبيب وكسر التفاهم مع «فتح» ودفع المسار الفلسطيني للخروج على السقف العربي باتجاه حسابات إقليمية لا يعرف عنوانها وهويتها.
تل أبيب التي تراقب انتهاء فترة رئاسة عباس تنتظر تلك اللحظة للإعلان عن انسحابها من التفاوض مع الجانب الفلسطيني لتفتحه على مسارات أخرى أقل كلفة وتتوافق مرحليا مع حاجاتها لضبط الحدود وضمان الأمن مقابل هدنة ظرفية تستبعد تسوية قد تضطر خلالها للانسحاب من الأراضي المحتلة. وتل أبيب التي تراقب الجانب الفلسطيني ستكون بدورها في وضع انتقالي حين يتسلم أوباما مقاليد السلطة. فواشنطن لا تستطيع الطلب من حكومة إسرائيلية انتقالية تشرف على انتخابات أن تتفاوض قبل الانتهاء من العملية التصويتية ومعرفة النتائج وتشكيل حكومة جديدة يرجح أن تكون ائتلافية.
المحطات الفلسطينية والأميركية والإسرائيلية الثلاث تضغط لتعطيل مسار التفاوض والتشاور ويرجح أن تمتد زمنيا إلى أكثر من 90 يوما من الآن حتى تتوضح معالمها السياسية والقوى التي ستشرف على إدارة المسارات الدولية والإقليمية والعربية. وفي حال فشلت القاهرة في مهمة تقريب وجهات النظر الفلسطينية وإعادة ربطها بالمبادرة العربية سيتجه المسار الفلسطيني نحو الانغلاق الإقليمي وربما الاصطدام بعقبات قد تثير انقسامات سياسية تخدم توجهات واشنطن التي تميل عادة إلى تأجيل التفاوض حتى تستقر سلطة الإدارة الجديدة. كذلك، وهذا هو الأخطر، قد يؤدي إقفال الباب الفلسطيني إلى فتح تل أبيب أبواب التفاوض على مسارات أخرى تضمن من خلالها تجميد التسوية مقابل التساكن والتعايش تحت سقف ضبط الحدود وتأمين الأمن بدلا من السلام... وهذا ما أشار إليه هنية في كلمة ألقاها في غزة بمناسبة استقباله وفدا أوروبيا جاء يتضامن مع أهالي القطاع ضد الحصار الإسرائيلي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ