تعيش الغالبية الكاسحة من الإسرائيليين في مجتمعات صغيرة معزولة. وينعكس ذلك ويتعزز في النظام التعليمي الإسرائيلي، الذي يجري على أربعة مسارات منفصلة: اليهودي العلماني، اليهودي الديني، اليهودي المتدين المتطرف، والعربي الإسرائيلي.
يشكل هذا التمييز الهيكلي تحديا تربويا كبيرا تجاه تطوير مجتمع مرتاح إلى حد ما مع أجزائه المتباعدة والمتنازعة أحيانا.
يحرم توزيع الإسرائيليين للشباب (وأساتذتهم وأسرهم) بين الوطنية (يهود وعرب إسرائيليين) والتدين (علماني وديني)، من معرفة بعضهم بعضا، الأمر الذي يرعى الصور النمطية ويولد الخوف. وقد يكون هذا أعظم حاجز نفسي لاعتناق التنوع الذي يميز مجتمعنا فوق كل شيء.
نحتاج كتربويين لأن نطور استراتيجيات عملية للتغلب على الحلف الماكر المؤذي بين الخوف والتمييز، وهو تواطؤ يعمل على إفشال مجالات عملنا المستقبلية في تشكيل مستقبل مشترك أفضل.
يمكننا تبني واحد، أو خليط من التوجهات التالية نحو تعليم فاعل مشترك للمواطنين:
المدارس المتكاملة - إنشاء مدارس متكاملة يدرس فيها معا الطلبة الذين «عادة» ما يدرسون بشكل منفصل. يوجد عدد قليل ولكن بشكل متنامٍ من هذه المدارس على محورين رئيسيين اثنين: مدارس يهودية مشتركة «علمانية» و «دينية»، ومدارس مشتركة يهودية وعربية فلسطينية إسرائيلية. رغم بقاء الأعداد قليلة، تمثل المبادرتان تحولات مهمة في النموذج، تساعد الإسرائيليين على تحدي الافتراضات المعهودة مثل «المدارس المنفصلة أمر عادي»، وتشجيعنا على تصور مستقبل مشترك بدلا من هذا. إلا أنه رغم كون الأنظمة الحالية إيجابية بشكل كاسح إلا أنها تنزع لأن تتعامل مع توترات محددة في المجتمع الإسرائيلي. بحسب معرفتي، لم يجرِ بعد تأسيس مدرسة تعكس التنوع الكامل للمجتمع الإسرائيلي.
المنهاج
تظهر الأبحاث والتجربة أن القيم والعقلية والمهارات الأساسية للعيش بارتياح مع التنوع لا تأتي بشكل طبيعي ولا يمكن اعتبارها أمرا مفروغا منه. بدلا من ذلك يجب تعلُّم هذه المهارات وممارستها وتعزيزها بشكل شامل ومنهجي.
من الأهمية بمكان، بينما يعيش الطلاب ويتعلمون بشكل منفصل ويتعرضون بشكل ثابت إلى مجال واسع من التوترات المجتمعية، أن يعرض المنهاج «الطرف الآخر» بشكل إيجابي.
تعمل هيئات تعليمية عديدة، بما فيها تلك التي أنتمي إليها، بجدية لتطوير مجال واسع من البرامج التي تحقق هذه الشروط. إلا أن التربويين الإسرائيليين مازالوا بعيدين عن تحقيق الإجماع حول الأهمية الأخلاقية والبراغماتية لتمثيل جميع الإسرائيليين «الآخرين» بصورة إيجابية في جميع المسارات المدرسية الأربعة.
نشاطات مشتركة
تقول «نظرية الاتصال من وضع متساوٍ» إنه يمكن تحقيق التغيير الإيجابي في المواقف من خلال «مواجهات» معدة ومنفذة بشكل صحيح بين أعضاء من مجموعات متنازعة. من المتفق عليه بشكل واسع أن الأوضاع «الصحيحة» تضم: توفير مكان حيادي ومنسقين غير منحازين، وعملية مستمرة بدلا من حدث واحد، ومتابعة مناسبة، ووضع أهداف مشتركة يمكن تحقيقها.
تقوم وزارة التعليم بتشجيع مجال واسع من المواجهات التربوية بين الطلبة والأساتذة والأسر بالتعاون مع عدد كبير من المنظمات غير الحكومية. في جميع الأحوال، من الأهمية بمكان تحقيق هذه المواجهات على مبادئ العدل والتناسق، متجنبين «استخدام» مجموعة بهدف «تثقيف» المجموعة الأخرى.
ليس من المفاجئ أن مواجهات كهذه تشكل مجالا من المآزق، لا يوجد لها من حيث المبدأ، أجوبة واضحة محددة، وإنما تتطلب كلا من اعتبارات أخلاقية وبراغماتية: هل من المناسب تصميم مواجهة علمانية دينية يهودية يوم السبت عندما يضطر اليهود العلمانيون من المشاركين خوض تجربة يوم سبت ديني تتم ممارسته؟ رغم كوني إيجابيا بشكل كامل حول قيام اليهود الإسرائيليين العلمانيين بخوض تجربة ملاحظة كهذه، فإن هذا يشكل عملية غير مناسبة لإعداد مواجهة، حيث أنها ليست متناسقة ولا متبادلة. يجب أن تحصل هذه المواجهات، بدلا من ذلك، أثناء الأسبوع المدرسي.
هل يجب عقد المواجهات اليهودية والعربية الفلسطينية باللغة العبرية، اللغة الأولى لليهود الإسرائيليين واللغة الثانية للعرب الفلسطينيين الإسرائيليين؟ رغم عدم التناسق الواضح، هناك حاجة لعقدها بالعبرية، حيث أنه لا يوجد بديل الآن. إلا أن انعدام هذا التناسق الأساسي يمكن تجنبه إلى حد ما من خلال إعداد موازٍ وجلسات متابعة بالعبرية والعربية، ومن خلال الاعتراف بحلول وسطى براغماتية. (على المدى البعيد، يتوجب علينا أن نسعى لأن نعلم اليهود الإسرائيليين اللغة العربية، تماما مثلما يتعلم العرب الفلسطينيون الإسرائيليون اللغة العبرية).
زيادة التنوع في أساتذة خطوط المدارس الإسرائيلية المنفصلة - يمكن لتكامل الأساتذة من خلفيات «أخرى» متنوعة أن يوفر، بشكل محتمل، أحد أقوى استراتيجيات المواطَنة المشتركة المتوافرة. يتوجب على استراتيجية تشتمل على أفضل الأساتذة الإسرائيليين المتوافرين، بغض النظر عن خلفيتهم، في مدارسنا أن يكون لها احتمال النجاح الأكيد في رفع مستوى الإنجازات بينما تقوم بزيادة معدلات الراحة لدى طلابنا حيال التنوع الموجود في مجتمعنا.
يتوجب اغتنام هذه الفرصة بشكل أوسع. يحتوي اشتمال أساتذة ذوي نوعية جيدة من خلفيات «أخرى» قليلة التمثيل بنجاح (العرب الفلسطينيون الإسرائيليون في مدارس يهودية إسرائيلية، المهاجرون الجدد، يهود متدينون في مدارس علمانية، أصحاب الإعاقات... الخ)، يحتوي على إمكانات تحويل مجتمعات مدرسية بأكملها. بإمكان ذلك تغيير التوجهات والمواقف وتخفيف الفجوات ودعم الكبرياء الذاتية لمجموعات الطلبة الأضعف.
تقدم هذه الاستراتيجيات، إذا تم أخذها معا وتطبيقها بشكل جيد واسع، أملا كبيرا بأن تتمكن من تجهيز الجيل الإسرائيلي المقبل ليكون مرتاحا أكثر مع مواطنيه. إلا أنه من الأساسي كذلك، وقد حان وقته منذ فترة، أن نبدأ كمجتمع أن نأخذ بعين الاعتبار الأهمية العميقة والمضامين البعيدة لخياراتنا الجماعية حتى الآن: أن نعيش ونتعلم بشكل منفصل.
* مؤسس ومدير MERCHAVIM - معهد تقدم المواطَنة المشتركة في «إسرائيل»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2228 - السبت 11 أكتوبر 2008م الموافق 10 شوال 1429هـ