العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ

في عيونها

الباب الثالث

وفيها من العيون ما لاتحصي، وأمّا العيون الكبار: فعين القصاري: وهي الواقعة في بلاد القديم، وعين العداري: وهي الواقعة في السهلة، وعين أبو زيدان: وهي الواقعة في مشهد، فأمّا عين السجور: وهي من أكبر العيون وأكثرها نفعا ودفنها عبد الملك بن مروان.

قال جدي العلاّمة الشيخ يوسف ـ قدّس سرّه الشريف ـ في كشكوله نقلا من كتاب معتبر يشتمل على جملة من فضائل علي (عليه السلام) وأخبار تدخل في ذلك الباب ما لفظه: وأمّا ما كان من خبر أهل الشام فإنّه لمّا قُتل عامر بن الطفيل بن ربيعة الشيباني وجاءت الأخبار بذلك إلى الشام، وقد كان قد مات مروان بن الحكم وتولّي الأمر من بعده عبد الملك بن مروان، فسار بنفسه إلى الكوفة في ألوف لا يحصي عددهم إلاّ اللّه، وقد آلى على نفسه أن لا يبقي بها أحدا من شيعة علي (عليه السلام) إلاّ قتلهُ، فلمّا سمع بذلك إبراهيم بن مالك الأشتر، وصعصعة بن صوحان، وعمرو بن عامر الهمداني المعلم، وجماعة من خواصّ الشيعة، هربوا من عبد الملك إلى جزيرة البحرين، وكان زيد بن صوحان العبدي واليا عليها من قِبل الحسن (عليه السلام)، ولم يتمكن من عزله بنو أمية خوفا من أهل البحرين؛ لأنّهم لم يسلّموا أمرا إلى بني أمية أبدا، وهم كانوا أشجع أهل الدنيا وأقواهم جنانا، وأفصحهم لسانا، وأحبهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) قلبا.

قال: فبقي زيد بن صوحان حاكما في البحرين الى زمان عبد الملك بن مروان، إلى أن هربوا عنده الجماعة المذكورين، فتبعهم عبد الملك إلى القطيف وأرسل إليهم (من أصحابه) إلى البحرين، فدافعت عنهم أهل البحرين، وقتلوا جميع من أرسلهم عبد الملك، فجاء إليه الخبر وهو في القطيف بأن أهل البحرين قتلوا جميع أصحابه الذين أرسلهم إلى أهل الكوفة، فلمّا سمع بذلك حشّد عليهم من الاعراب و البوادي مالم يعلم عددهم إلاّ اللّه، وانحدر على أهل البحرين عبد الملك بنفسه، وجلس في الطرف الغربي، وكان مخيمهم من أول الدراز إلى بني جمرة، حتى ملأت عساكره الأماكن والفلوات، وقلعة البحرين يومئذٍ في البلاد القديم عند مشهد، وهي القلعة التي بناها الملك دقيانوس وهو الذي ادّعي الربوبية، وهربوا عنه أصحاب الكهف، والرقيم جبل في الإحساء، وكان زمان هذا الملك في الفترة التي ما بين موسي بن عمران وعيسي بن مريم عليهم السلام وبقيت هذه القعلة إلى زمان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى زمان بني أميه، وكانت بيوت أهل البحرين يومئذ متصلة من خلف القطاع الجنوبي إلى باربار وإلى كرزكان، وكان الرجل من أهل البحرين في ذلك الزمان يعد بألف فارس.

قال ثم أنّه لمّا أنحدر عليهم عبد الملك جعل زيد بن صوحان على القلعة من يحرسها وخرج مع أهل البحرين إلى قتال عبد الملك، وجعل إبراهيم بن مالك الأشتر، وسندر معهما عسكر كبير في وسط البلد، وجعل سهلان بن علي ومعه أهل الأطراف الشرقية على الشرقية، وجعل صعصعة أخاه وهو أغلب عسكره في الطرف الجنوبي، وجلس الأمير زيد بن صوحان في كرزكان ومعه أهل الأطراف الغربية، ثم وقعت الحرب بينهم وبين عبد الملك، ووقعت بينهم مقابلة عظيمة يطول شرحها في هذا المكان، قال: فلما رأي عبد الملك الشجاعة من أهل البحرين وقوة بأسهم على الحروب، ورآهم أفرس أهل الدنيا، وكان يخرج عليهم بخمسين ألف وبالمائة ألف من أصحابة فيحصدهم أهل البحرين حصد السنبل، حتى كادوا يقتلون عبد الملك، فأشاروا عليه بعد ذلك أرباب أهل دولته بان يستميل أهل البحرين بالرشاء والعطاء، فأستمال جهّالهم وأشرارهم بذلك، وأغري> بعضهم على بعض، فقتل شرارهم خيارهم، وقتلوا أخا زيد بن صوحان والجماعة الذين خرجوا معهم من الكوفة والذين نصروهم من أهل البحرين.

قال: فلما ظفر عبد الملك بالبحرين وأهلها، أحضر أهل الأطراف الذين نصروه والذين أستأمنوا، ودعاهم إلى الخروج من التشيع، فأبوا أن يخرجوا من دينهم وأمتنعوا عليه وقد أخذهم الندم على قتلهم أخيارهم، فلمّا نظر عبد الملك إلى بعضهم وإظهارهم العداوة، خاف منهم خوفا شديدا، فقال لهم: طيبوا نفوسكم فإني أترككم على دينكم ولكم عندي ما أردتم، ولكن أريد منكم أن تكونوا في جزيرتكم هذه ولا أحد منكم يحمل السيف ولا العصي ولا يشد وسطه إلى حرب أبدا، ولا أحد ينقل السلاح ولكم علىَّ أن لا اخذ منكم شيئا من خراج بلدكم، ولا أتعرض لكم بعد سنتي هذه، وهذا الشرط بيني وبينكم، وعليَّ في ذلك عهد اللّه وميثاقه.

قال: فحالف أهل البحرين على ذلك، وكتب اللّه عليهم الذلّة، فلم يشدّوا أوساطهم بعد ذلك إلى الحرب، ولم يقتتلوا إلى يومنا هذا.

ثم إنّ عبد الملك دفن عين السجور، وكانت أقوى عين في البحرين، ودفن عيونا كثيرة منها، لإن مراده ضعف أهل البحرين، وولّي راجعا بعد ذلك، انتهى.

يقول جامع هذه الطرف ومهدي هذه التحف: إن هذه الحكاية وإن كانت لا تخلو من ركاكة في التعبير وخلل في التحبير، مع إصلاح كثير منها حال النقل، إلاّ أن مضمونها موافق لما هو الموجود الآن في تلك البلاد ومشهور بين الخلف من قبور اولئك الأمجاد، فإن قبور هؤلاء المشار إليهم كلّهم موجودة في البحرين، أتّخذوها مزارات يتبركون بها وينذرون إليها ويقصدونها من كلّ جانب ومكان، سيما قبر صعصعة وأخوه زيد بن صوحان.

وأمّا عين السجور ـ بالسين المهملة ثم الجيم ـ المشار إليها في آخر الخبر، فموقعها في قريتنا من البحرين بقرب الساحل، والنظر فيها ظهر من آثار تلك العين، وسعة دائرتها الموجودة الآن يدل على قوّتها وغزارة مائها، وكان ذلك الملعون قد أحكم رجمها بالحجارة الهائلة والصخور الثقيلة، وأخفي أثرها بالكلية، وبقيت كذلك إلى زمن الحاج يوسف الناصر وكان من أكابر أهل البحرين وأعيانهم المشار إليهم، وكان ذا حدس صائب وفكر ثاقب في إستخراج المياه من الأرض، وقد استخرج عيونا كثيرة مبتكرة، فعمد من جهة الغرب إلى إخراج مائها وضرب خيامه عندها، ووضع العملة فيها، وأخرج منها أحجارا وصخورا ـ على ماذكرنا ـ يعجز المائة رجل على سحب واحدة منها، وقد نحتها ذلك الملعون من جزيرة بقرب البحرين تسمي ـ قدا ـ وبقي العمل فيها حتى لما قرب خروج أول مائها، جاء رجل من العملة إلى الحاج يوسف المرقوم، وقال: إني رأيت في المنام إن هذه العين في صورة إمرأة وهي تريد ثورا سمينا! فأسرَّ الحاج يوسف في نفسه أنه ذلك الثور السمين!؟ وأخذته الواهمة، فمرض وثقل حاله في ذلك المرض حتى مات، وبقيت على ماهي عليه إلى الآن، وإلى الآن بعض تلك الأحجار موجودة حول العين، وبعض قد سحبه الناس ووضعوه في أساس البيوت، وكانوا إذا همّوا بسحب شيء منها تجتمع لها جموع عديدة من الرجال، واللّه العالم بحقائق الاحوال.

فائدة جليلة:

ذكر أبو جمهور الإحسائي ـ قدّس سرّه ـ في كتاب عوالي اللّئالئ ـ نقلا عن ابن عباس ـ قال: أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة لجمعة في عبد القيس بجواثا ـ وهو اسم حصن بالبحرين ـ وفي هذا الحديث دليل على أن أهل البحرين كانوا أفضل من أهالي أكثر البلدان، وللبحرين مزية وفضيلة كما سيأتي نبذة منها ان شاء اللّه.

قال جدي العلاّمة ـ أعلى اللّه مقامه ـ في كشكوله: حكي لي والدي ـ قدّس سرّه ـ أن السبب في مجئ والد البهائي ـ قدّس سرّهما ـ إلى البحرين، أنه كان بمكة المشرفة وقد قصد المجاورة فيها فرأي في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد أمر بالبحرين أن تدفع بأرضها إلى الجنّة، فأختار الإنتقال من مكة المعظمة، وأتي البحرين وجاور فيها حتى توفي ـ رحمه اللّه ـ ولمّا سمع بقدومه علماء البحرين، وقد كان جملة من الفضلاء يجتمعون للدرس والتدريس في مسجد جدحفص، ومنهم العلاّمة الشيخ داود بن أبي شافير، وكان ذلك الوقت قد خرج الشيخ داود المزبور من قرية جدحفص لمباغضة حصلت بينه وبين بعض علمائها، فلمّا سمعوا بقدوم الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ بهاء الدين ـ قدّس سرّه ـ عرفوا أنه بعد مجيئه ربما يحضر إلى المسجد في يوم الدرس، وكان الشيخ داود ذا يدٍ طولي> في علم المناظرة والجدال، فمضوا إليه وصالحوه، وحضر المسجد كما كان سابقا.

فلما ورد الشيخ ـ قدّس سرّه ـ سأل عن محل مجمع الفضلاء في البلد، فأخبروه باليوم الذي يحضرون فيه في المسجد المزبور، فاتفق حضوره في بعض الأيام، وجري البحث بينه وبين الحاضرين، فتولّي ذلك الشيخ داود وأطال النزال والجدال معه، فلمّا انصرف الشيخ أنشأ هذين البيتين ثم لم يحضر بعد هناك حتى توفي ـ رض ـ:

أناس في أوالٍ قد تصدّوا

لمحوا العلم واشتغلوا بلمم

فان باحثتهم لم تلق منهم

سوي حرفين لِمْ لِمْ لا نُسَلِّم

وقال البهائي ـ قدّس سرّه الشريف ـ يرثي والده الشيخ العلاّمة حسين بن عبد الصمد، وقد توفي بالمصلي من قري البحرين لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وتسعمائة عن ست وستين سنة وشهرين وسبعة أيام، ومولده أول يوم من محرم سنة ثمانية عشرة وتسعمائة ـ رحمه اللّه تعالى ـ:

قف بالطلول وسلها أنّ سلماها

ورق من جرع الأجفان جرعاها

وردّد الطرف في أطراف ساحتها

وأرجّ الروح من أرواح أرجاها

فإن يفتك من الأطلال مخبرها

فلا يفوتنّك مراءها ورماها

ربوع فضل تباهي التبر تربتها

ودار أنسٍ تحاك الدّر حصباها

إلى أن قال ـ طاب ثراه ـ:

فالمجد يبكي عليها جازعا أسفا

والدين يندبها والفضل ينعاها

ياحبّذا أزمنٌ في ظلّهم سلفت

ماكان أقصرها عمرا وأحلاها

أوقات أنسٍ قضيناها فما ذُكرت

إلاّ وقطع قلب الصبا ذكراها

ياجيرة هجروا وأستوطنوا هجرا

واها لقلب المعنّي بعدكم واها

رعيا لليلات وصل بالحي سلفت

سقيا لأيامنا بالحيف سقياها

لفقدكم شُق جيد المجد وانصدعت

أركانه وبكم ماكان أقواها

وجُزّ من شامخات العلم أرفعها

وأنهد من باذخات العلم أرساها

ياثاويا بالمصلّي من قري هجر

كُسيت من حلل الرضوان أضفاها

أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت

ثلاثة كن أمثالا وأشباها

ثلاثة أنت أنداها وأغزرها

جودا وأعذبها طمعا وأصفاها

حويت من درر العليا ما حويا

لكن درّك أعلاها وأغلاها

إلى أن قال ـ :

ويا ضريحا علا فوق السماك علّي

عليك من صلوات اللّه أزكاها

فيك انطوي من شموس الفضل أضواها

ومن معالم دين اللّه أسناها

ومن شوامخ أطواد الفتوة أرسا

ها وأرفعها قدرا وأبهاها

فاسحب على الفلك الأعلى ذيول على

فقد حويت من العليا أعلاها

عليك منا سلام اللّه ما صدحت

على غصون اراك الدوح ورقاها

فضيلة عظيمة:

في كشكول الشيخ ياسين ـ قدّس سرّه ـ كما رواه الشيخ الأجل الأمجد الشيخ أحمد بن زين الدين في كشكوله،قال: رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إن اللّه خيرني في هجرتي هذه بين المدينة والبحرين أو قنسرين، فأخترت المدينة.

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا شبّهت عليكم المذاهب والاديان فعليكم بمدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين، ومن دان بدينهم من أهل الأمصار.

وقال صلى الله عليه وآله وسلمسترتد اُمتي من بعدي إلا مدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين، فأنها فسطاط المؤمن يومئذ.

قال ـ رضي اللّه عنه ـ ما حاصله: البحرين يطلق على الأحساء والقطيف والبحرين، وفي تخصيصه هذا الزمان بأوال مستحدث قال الشاعر:

فيا قاصدا البحرين يزجي شمله كأن على أشداقها الحدل كرسفا

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا فقدتم العلم فاطلبوه من مدينتي هذه، ومدينة يقال لها البحرين، ـ إلى أن قال قدس سره ـ: فأوال وخط بلد، والإحساء بلد، ويطلق على الجميع هجر.

قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كما في كتاب نفس الرحمن: لو فقد الإسلام في الأرض لوجد في هجر.

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كما في بعض صحاح العامة ـ وكما هو في نظري البخاري ـ: رأيت في المنام أني أهاجر إلى بلدة فيها نخل، فذهب وهمي إلى أنها هجر، فاذا هي المدينة يثرب.

حكاية حسنة:

قال فخر المشائخ الشيخ سليمان الماحوزي: كنت في حدود السنة الحادية عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في بعض بنادر فارس، وكان فيه رجل من علماء أهل التقوي من بلاد السند، حنفي المذهب متعصّب في مذهبه قد قرأ كثيرا من العلم، ورد هناك بعنوان التجارة فاتّفق لي الإجتماع به في عدة مجالس، وكان من جملة ما صدر بيني وبينه أنه بعد ما فاوضني في مسائل متعددة فينجرّ فيه النزاع بيننا وبينهم فصّلناها في رسالة منفردة.

قال لي: أنت أخلاقك غير أخلاق أهل البحرين، وطباعك غير طباعهم،وما فيك من المعايب إلاّ انك بحراني، واخذ يذم البحرين وأهلها بما لا يجوز ذكره، فقلت له: البلاد يكون فيها الكامل والناقص و الخير والشرّير، والمؤمن والكافر والعالم والجاهل، فاطلاق القول بذمّ البلاد لا يحسن من أهل العقل والسداد، وبعد هذا فالبحرين من الأمصار الجليلة المحمودة، ولها ذكر حَسن في كتب حديثكم دون تقه، فإنها لم يجر لها ذكر في حديث ولا سنّة، وطباع أهلها معروفة بالعصبية والعناد.

فقال لي بعجلة: في أيّ كتب حديثنا ذُكر البحرين؟

فقلت: في كتاب مشكاة المصابيح تصنيف محي السنّة الحسين بن مسعود الفراء البغوي، فإنه روي في باب حرم المدينة ـ حرسها اللّه ـ عن حريز بن عبد اللّه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن اللّه اوحي إليّ، أيّ هولاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين، فقد عدل اللّه البحرين بالمدينة وخيره في الهجرة إليها، ولم يذكر تقه مجال. فانكر كون الخبر المذكور في شيء من كتب حديثهم فضلا عن كونه في مشكاة المصابيح، وأدعي أنه قرأ الكتاب المذكور في بلاده على مشايخه ـ وكان الكتاب المذكور بصحبتي ـ فقلت له: الكتاب موجود معنا بنسخة صحيحة معتمدة، وقد كنت اشتريتها من دار السلطنة إصفهان المحروسة في جملة الكتب التي اشتريتها من هناك، ثم احضرت الكتاب، فلمّا رآه وجم واُقحم كأنما القمته حجرا، وأخذ يتعجب مما رزقنا اللّه سبحانه من الحفظ وكثرة التتبع، وأعرض عما كان فيه.

تتميم وفيه قصة أبو هريرة:

ومن كتاب مجالس المؤمنين للسيد نور الدين، المعروف بالشهيد الثالث في ترجمة البحرين قال: إن البحرين اسم لجميع البلدان التي على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان.

وقال بعضهم إن البحرين قصبة هجر ـ إلى أن قال ـ: والبلاد المشهورة بالبحرين القطيف، وادّه، وهجر، وينبوبه، وزاره، وجواثا، وشابور، ودارين، وغايه.

وفي السنة الثامنة من الهجرة أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم العلاء بن عبد اللّه الحضرمي إلى أهل تلك الديار بالدخول في الإسلام أو قبول الجزية، وكتب بذلك إلى المنذر بن واسخت مرزبان هجر، ولما وصل كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذين الإثنين الّلذين هما رئيسا تلك الولاية دخلا في الاسلام، وكذلك جميع العرب الذين معهما وبعض العجم وأهل القري، والزرّاعة من المجوس واليهود والنصاري صالحوا على نصف غلتهم من الزراعة والتمر، وبقوا على مذاهبهم والعلاء المزبور في ذلك العام أرسل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من مال تلك الولاية ثمانين الف دينار، وبعد ذلك عزل الرسول العلاء وولّي إبان بن العاص وسعيد بن أمية، وبقيا إلى وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ولّيّ أبو بكر عزله وولّي العلاء ايضا، ولما كان في زمن عمر عزله وولّي أبو هريرة، ولما ولّيّ ذلك المكان حصل منه خيانة عظيمة في الأموال التي قبضها. روي محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب على البحرين فاجتمعت لي اثني عشر ألف دينار، فلما قدمت إلى عمر قال لي: يا عدو اللّه وعدو المسلمين!

قال: قلت: لست بعدو اللّه والمسلمين.

قال: فمن أين اجتمعت هذه الأموال؟

قلت: خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت.

قال: فاخذ مني اثني عشر الفا.

فائدة:

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء فصل الشيخان: عن جابر ـ رضي اللّه عنه ـ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: لو جاء مال البحرين أعطيتك كذا وكذا، فلما جاء مال البحرين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر: من كان له عند رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم دَين او عِدة فليأتنا، فجئت واخبرته فقال: خذ، فأخذت فوجدتها خمسمائة فاعطاني ألفا وخمسمائة.

إلى أن قال السيد المشار إليه في الكتاب المذكور؛ وتشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والأحساء من قديم الأيام إلى هذه الايام ظاهر شائع، ومنشأ ذلك شمول اللّطف الإلهي لأهل تلك الديار، وكان في مبدء الإسلام مدة مديدة عامل تلك الديار إبان بن سعيد من جملة محبي أهل البيت عليهم السلام، وكان ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر مع بني هاشم، وفي زمان ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) جعل حكومة تلك الديار ـ على ما في كتاب تحفة الإحباء ـ مذكور مدّة بمعبد بن عباس وبعض الأوقات بعمر بن أبي سلمة الذي أمه أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ممتازا على غيره في العلم والعبادة والعقل وطيب الطينة وصفاء السريرة، وفي ذلك المكان قرر احقية الأمير(عليه السلام) بالخلافة وبيعة الغدير، ونقي عن قلوبهم الشك والشبهة في ذلك. انتهي.

جوهرة فاخرة:

ذكر صاحب الكشاف: أن صالحا (عليه السلام) مات بحضرموت، وإنها إنّما سُميت بذلك، لأن صاحلا حين حضرها مات.

وقال المطرزي في المُغرّب: هي بلدة صغيرة شرقي عدن.

وقال أبو حيان في البحر: عن أبي القاسم الأنصاري أنه قال: رأيت قبر صالح عليه السلام بالشام في بلدة يقال لها عكشي، فكيف يكون بحضرموت!؟

وأمّا ما أشتهر بين أهل البحرين من أن قبره في جزيرة اُكُل فلا مستند له من كلام السلف، ولم نجده بعد التتبّع في موضع يشهد عليه، وظهور الكرامات لم يدل على إنه هو هو، والعجيب من شيخنا الصالح كيف جزم بذلك ! واللّه العالم بمواقع الأمور.

العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً