العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ

الاستثمارات «التقايضية» العربية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تتفاوض الحكومتان المصرية والأوكرانية من أجل التوصل لاتفاق لتبادل القمح الأوكراني بالغاز الطبيعي المصري، الذي يتم تصديره من خلال خط الأنابيب الذي يمر عبر سورية وتركيا وصولا لمنطقة البلقان.

وتعتبر مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، وخاصة من أوكرانيا حيث اشترت منها خلال الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/ أيلول 2008 ما يربو على 52,5 ألف طن من القمح.

ليس هناك أي غبار على الصفقة، ولا على طريقة المقايضة التي اتبعت في تسديد الفواتير بين البلدين، اللذين يحتاج كل منهما إلى توفير ما في وسعه من العملات الدولية الصعبة لتسديد فواتير ضرورية أخرى. كما ليس هناك من بوسعه توجيه الانتقاد إلى مصر التي للقمح، كما يقول الباحث الاقتصادي المصري عبدالرحيم سعيد عبدالرحيم محمد سوسة اهمية كبيرة جدا في سلم أولوياها مصدره «العادات الغذائية المصرية التي تعتبر رغيف الخبز أساس المائدة»، الأمر الذي جعل من تأمين الاستهلاك المحلي له يتحول إلى «أكبر تحدٍ يواجه الحكومات المصرية المتعاقبة على مدار خمسين عاما، حيث يصل إجمالي الاستهلاك السنوي إلى أكثر من 12 مليون طن، بينما حجم المنتج المحلي لا يزيد على 7 ملايين طن، وهو ما يفرض على الحكومة استيراد نحوي 50 في المئة من حجم الاستهلاك من الخارج».

وربما كان ذهاب الغاز المصري إلى أوكرانيا أفضل من تدفقه إلى «إسرائيل» بموجب الاتفاقية التي تشتمل على استيراد تل أبيب 1,7 مليار مكعب سنويا ولعشرين عاما من الغاز المصري وبسعر 0.75 سنتا لا يتأثر بتغير سعر صرف الدولار، ولا بارتفاع تكاليف إنتاج الغاز عالميا ومحليا، ولمدة 20 عاما قابلة للتمديد وبالشروط ذاتها. بينما حدد المتخصصون 20 - 25 عاما لنضوب الغاز في مصر. يجري ذلك في وقت يجاهد الأردن للحصول على كميات إضافية من الغاز الطبيعي من مصر.

السؤال البسيط والمباشر الذي تثيره تلك الاتفاقية هو: لماذا لا تحاول مصر، عوضا عن هدر طاقتها من الغاز بتصديره، الاستثمار، في الأراضي الزراعية الجيدة، أو تلك القابلة للاستصلاح؟ وخاصة إذا عرفنا أن الكلفة زهيدة لا تتجاوز 16 مليون جنيه مصري (مليونين ونصف مليون دولار) يحدد بنودها عبدالرحيم سوسة على النحو الآتي:

1 - عشرة ملايين جنيها ثمنا لاستصلاح نحو 15 مليون فدان فى الاراضي الصحراوية الخالية من المحاصيل الزراعية وذلك باستغلالها الاستغلال الأمثل.

2 - ثلاثة ملايين تكاليف زراعة محاصيل بديلة للقمح مثل الذرة لكي تخلط معا لعمل الخبز.

3 - مليون جنيه استخداما للوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الماكينات الزراعية وادوات الري والمنشآت التي ستكون للعاملين.

4. مليون جنيه ثمن الاسمدة الكيماوية القوية والفعالة اللازمة لتخصيب التربة التي ستصبح صالحة للزراعة.

5 - نصف مليون جنيه ثمنا لبناء المخازن التي سيتم تخزين ناتج القمح بها للحفاظ عليه.

لكن التساؤل الاستراتيجي الذي تثيره هذه المقايضة هو، لماذا لا تطبق سياسات «المقايضة» هذه على علاقات التجارة البينية العربية. ولربما قفز من يقول إننا نشاهد اليوم الكثير من الأموال العربية التي تتدفق من عاصمة إلى أخرى، لكن جلها، لا يستثمر في مشروعات إنتاجية، وإنما يوجه إلى بناء المزيد من الغابات الأسمنتية.

نظرة سريعة، لا تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتمحيص، ستضع أمام أعين من يريد، طيفا واسعا من المجالات الاستثمارية البينية العربية التي يمكن البدء بها، ولا ضير أن يبدأ معها إصلاح القوانين والتشريعات الضرورية لبث روح الأمان والشعور بالضمانات التي يحتاجها المال الاستثماري التقايضي.

يكفي أن نورد هنا أنه في مطلع الشهر الماضي تخلت دولة عربية نفطية عن الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح وستبدأ هذا العام خفض مشترياتها من القمح من المزارعين المحليين بنسبة 12,5 في المئة سنويا، في خطوة للتحول مستقبلا إلى استيراد كل احتياجاتها السنوية بالكامل، والتي تبلغ 2,5 مليون طن بحلول العام 2016 بموجب خطة لتوفير المياه.

وبالمقابل تتحول مياه الأنهر العربية إلى مياه مالحة غير قابلة للاستخدام الزراعي، لأن ليس هناك من يستثمر في تحويلها إلى مصادر للري أو لتوليد الطاقة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً