العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ

عن التضخم مرة أخرى!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لا أدري لماذا يروق للبعض انتزاع المعلومات والبيانات الإحصائية حول معدل التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية في البحرين من سياقها السليم ووضعها في سياق آخر عسى أن يخمد شرارة السخط والتمرد والاحتجاج الشعبي المشروع تجاه الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية الرئيسية، فيتم على سبيل المثال الترويج لأنباء تفيد بأن معدلات التضخم في البحرين هي الأقل في الخليج بدلا من ذكر المعلومات عن مستويات الدخل الفردية وإعداد ونشر دراسات حول معدل متوسط إنفاق البحرينيين على شراء المواد الغذائية من متوسط الدخل، كما تطرقنا إلى ذلك في مقالنا السابق «رسالة من تحت المعاناة»؟!

ما يبدو واضحا للجميع هو أن هنالك مزيدا ومزيجا من التخبط المنهجي الرسمي في التعاطي مع هذه الأزمة التي لن تعالجها ما يتعارف عليه المواطنون المكلومون بـ «علاوة الإذلال والمهانة» التي لا تسد مثقال نواة تمر من حجم النقصان في مواطنتهم المفترضة، وذلك في الوقت الذي يخشون فيه أن تمر عليهم لحظات لا يجدون من خلالها ما يشترونه ويتغذون عليه وعائلاتهم سوى تصريحات وتباشير المسئولين التي لا تسمن ولا تغني من جوع حينما يأتي إليهم زمن يتبختر فيه الفلفل البارد في مقام الأفوكادو، وربما بؤس البطاطا يناهز خدود التفاح، لتتحقق في وقتها نبؤة الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته «شرفات بحر الشمال» وقد كتب: «سيرتفع شأن البطاطا يوما وتصير أثمن من التفاح وسيندم الذين يبيتون عليها ولا يعترفون لها بحق الوجود».

وحينما تجد أثناء جولة لك عابرة في أسواق «السوبرماركت» من أقل الدرجات وذات الهوامش الربحية المنخفضة قياسيا وذلك على أبواب شهر رمضان، فترى بعينك منظرا طبيعيا ومشهدا لن يفارق مقلتيك لمواطنين يأتون إلى المحاسبين وفي أيديهم سلع معيشية رئيسية بغرض الشراء فما أن يتأكدوا من السعر الجديد حتى يقوموا بإرجاع معظم ما قاموا بشرائه من تلك السلع الضرورية ويخرجوا بما يثير الشفقة، وآخرون يحتجون بقوة لدى محلات بيع الفواكه والخضار على الارتفاع القياسي للأسعار في ليلة وضحاها، فلا يجابهون إلا باعتذار أشد سخونة من أصحاب تلك المحلات عن عقد معيشي قد انفرط ورهان لابد من خسارته كل يوم وعن نار أسعار لا ترحم فالتاجر في النهاية يظل مواطنا يذوق كغيره حجم الخسائر المعيشية اليومية، ولربما بات اليوم طبيبا مخفقا يتعامل بشكل يومي مع زبائنه كما لو كانوا مرضى يكيلون له بيأس وحيرة أسوأ الشتائم والألفاظ العنيفة التي لا تبرد من أوجاع الأورام السعرية الخبيثة تلك وهي تتقدم!

وعلى الرغم من تقديرنا لما يبذل من جهود للتعامل مع الأزمة ومعالجتها وتخفيف آثارها على المواطنين إلا أننا نتساءل عن ماهية الجدوى المرتجاة من تلك الزيارات والجولات المكوكية إلى الأسواق؟! وماذا تعني للمواطنين؟! وهل هي سترهب كما لو أنها رقصة الحرب بشكل كارتوني غيلان الأسعار المتضخمة وتذعرها وتضطرها إلى الفرار؟! أم ماذا؟!

ألا يعد مجرد استمرار الوضع على ما هو عليه فشلا وإخفاقا ذريعا من قبل الدولة لابد من أن تصارح به المواطنين، أم هو ماذا مع بقاء التضخم تابلا حراقا لأطعم جميع الأزمات التراكمية والملفات العالقة الكبرى التي لم تتزحزح قيد أنملة منذ عقود؟!

ألا تشكل علاوة الإذلال والمهانة «علاوة الغلاء» نوعا من الضحك في العزاء؟!

إن كنا أيقنا بأن جزءا كبيرا من أزماتنا في الوقت الحالي وبالتحديد في المنطقة يعود بشكل كبير إلى العشوائية وعدم وجود البعد في النظر والتخطيط، وخروجنا صفر اليدين من سلم إنتاج المواد الغذائية وبالتالي ركاكة منظومة أمننا الغذائي وعدم قدرتها على التكيف مع مختلف الأزمات المصيرية، ناهيك عن غياب أبعاد الاستدامة من المحاولات والخطى التنموية التي تقوم بها هذه الدول بشكل نسبي وعدم استفادتها من نماذج وتجارب عالمية أخرى، كما أنها وفي معالجاتها الوقتية والظرفية لأزمة التضخم الأخيرة وبعدما بدا كما لو أنه ميل للاتجاه إلى إفريقيا للحصول على سلة غذائية ملائمة، فهي لم تفعل ذلك إلا بعد أن أغرقت الشركات الصينية والهندية تلك القارة السوداء والزاخرة!

إن كانت الدول الخليجية الثرية نفطيا تواجه غضب وتذمر شعوبها في تلك الأزمة عبر زيادة رواتب ومداخيل شعوبها لأكثر من مرة وهي الدول المسماة بالدول الريعية، فما عسى البحرين أن تكون إذا؟!

هل هم «دول ريعية» يشترون صمت ورضا المواطن بالريع النفطي وعوائده المرتفعة، ونحن «دولة بيعية» يتجه كل ما فيها إلى التصفية والبيع والمصادرة ولو بثمن الخسارة الأبدية وإن كان هنالك ريع وعائد نفطي مرتفع لدينا؟!

أم هي أزمة تاريخية ووجودية موصدة كما يحب البعض أن يصنفها؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً