في العام 1972 كان على موعد مع أولى سنوات الشقاء، إذ كانت الأمور حينها تزداد وهجا سياسيا وكانت التكتلات والتحزبات قد بلغت أوجها، ليقال له حينها أنت راسب في المدرسة، كان حينها في الصف الأول الإعدادي، وكان متيقنا من نجاحه، لكنها السياسة العنيدة التي حرمته من النجاح، ولأنه كان أعند منها فقد رفض أن يعيد سنته مفضلا أن يترك مقاعد الدراسة التي كان لا يرضى عنها بديلا، ويتوجه للعمل مع والده لسنتين متتاليتين، ليحصل في أواخر العام 1974 على وظيفة في إدارة المرور، وحينها كانت الطفرة العمرانية في ذروتها الأمر الذي دفعه نحو قطاع المقاولات إذ كانت الدولة حينها تعطي المواطن أرضا وقرضا لبنائها، ما جعل عمله في هذا القطاع ذا جدوى ونفع بالغين له يساند به عمله في المرور الذي دخله بشهادته الابتدائية آنذاك، حتى تغير الحال ليقدم استقالته من المرور، ويكسد قطاع البناء بعد ثلاث سنوات من ولوجه فيه أي في العام 1978، ليبقى بلا مورد يقيه شظف العيش، ليدرك حينها أنه لو أكمل الدراسة لكانت له مأمنا من هذه التقلبات الحادثة عليه، ليقرر في العام 1979 أي بعد سبع سنوات أن يكمل دراسته انتسابا للصف الأول الإعدادي، وفي تلك الفترة عاد مجددا للمرور في وظيفة كاتب، فكان يعمل صباحا ويدرس مساء ، ولم يكتفِ بذلك، بل لشغفه بالعلم أخذ يطالب المرور بدراسة اللغة الإنجليزية، غير أنهم رفضوا طلبه مرارا حتى اضطروا تحت إلحاحه للموافقة على دراسته، فكان حينها يجمع بين تلك الأمور الثلاثة، العمل والانتساب ودراسة اللغة الإنجليزية، إذ استطاع أن يحصل على الشهادة الإعدادية في العام 1982، ويتبعها بثلاث أخرى انتسابا في المرحلة الثانوية وهو ما يزال في عمله في المرور، ليقرر مواصلة دراسته الجامعية انتسابا في جامعة بيروت العربية ويتمها في العام 1990، وحين أراد التقدم للتدريس في وزارة التربية والتعليم تم رفض طلبه لأنه لا يحمل مؤهلا تربويا، الأمر الذي دعاه لدراسة دبلوم التربية في معهد الدراسات الإسلامية في القاهرة ، وكانت الدراسة تمتد لمدة عامين، وبعد دراسته للسنة الأولى هناك، حصل على قبول لإكمال الدبلوم في جامعة البحرين، فكان ينتظم هناك صباحا من الساعة الثامنة حتى الرابعة عصرا، ليذهب مباشرة لعمله في المرور من تلك الساعة وحتى الثانية صباحا، مدة ذلك العام، وأتم متطلبات الحصول على الدبلوم، وذهب حينها لوزارة التربية لإكمال إجراءات التوظيف في مهنة التدريس، ليفاجأ برفض المرور تركه لوظيفته، إذ كان حينها قد وصل إلى رتبة عريف بسبب انضباطه وإخلاصه، لكنه لم يستسلم للأمر فدق باب الوزير حتى أذن له بالاستقالة، وكان له ما أراد ، ليكمل جزءا من حلمه ويصبح معلما، ليواصل دراسته في الماجستير في العام 1994 وكانت أطروحته فيها دراسة مسحية في الإذاعة والمسرح والمكتبة والصحافة المدرسية، ليتمها بعد ثلاث سنوات، ويتجه باحثا عن الدكتوراة التي تمكن من نيلها من جامعة الخرطوم الحكومية قبل نحو أربع سنوات من الآن.
تلك المحطات الطويلة... بهذا السرد المختصر، هي قصة نجاح لرجل لم يؤمن أبدا بشيء اسمه المستحيل... إنه (الدكتور) عبد الأمير زهير، الذي لا يزال مدرسا أول في وزارة التربية والتعليم
العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ