يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه ضد المقاومة إذا كانت تعني إبادة الشعب الفلسطيني. وهو أيضا ضد وجود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإدارة معبر رفح على الجانب الفلسطيني ربما حتى لو مات جوعا آخر فلسطيني من قطاع غزة، لأن ذلك يعني (حسب رأيه) «يكرس الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني».
موقفان متعاكسان من الرئيس الفلسطيني يحمل الأول حكمة تتفق معه «إسرائيل»، والموقف الثاني يفهم على أنه التمسك بالسلطة حتى آخر مواطن من أهالي غزة.
قد نجد للرئيس الفلسطيني القادم من حركة التحرير الفلسطينية (فتح) التي أسست لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، عذرا في الدفاع عن الموقع الذي وصلته حركته عبر تضحيات كبيرة، لكن ذلك لا يمكن أن يغير من الحقائق الحالية التي أوجدها الفوز الساحق لـ «حماس» في الانتخابات التشريعية في العام 2006 بنحو ثلثي مقاعد البرلمان الفلسطيني لتبدأ مع تلك الانتخابات مرحلة سياسية جديدة عنوانها سلطة «حماس» على الأرض.
لا نريد هنا العودة إلى الأسباب التي أدت إلى فشل السلطة الفلسطينية في الحفاظ على جذوة تاريخها المقاوم، ولا نريد أيضا الحديث عن كيف نجحت «حماس» في اكتساح الشارع الفلسطيني بسبب فشل مفاوضات التسوية مع «إسرائيل» على مدى نحو عقدين من الآن، فالحديث عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتقدم على كل الأسباب والمسببات.
السلطة الفلسطينية لم تقف باعتبارها طرفا معنيا بمعاناة أهالي غزة عندما بدأ العدوان قبل نحو أربعة أسابيع، بل كانت منذ البداية طرفا ثالثا (غير «إسرائيل» المعتدية أو أهالي غزة المعتدى عليهم)، ولم نسمع صوتها عاليا أو نرى فعلها واضحا إلا بعد أن بانت نهاية العدوان نهاية الأسبوع الماضي، حيث بدأ الحديث عن فتح معبر رفح وآلية إدارته المستقبلية، عندها الحدث استفز «القادة التاريخيين للقضية الفلسطينية» وبدأوا ليتحدثوا عن رفضهم القاطع لأية مشاركة من «حماس» في إدارة المعبر حتى وإن بقي المعبر مغلقا ويعاني أهل غزة ما يعانونه.
ألم يكن الأجدى من السلطة - كما يقول رئيسها إنها حريصة على الشعب الفلسطيني وغزة جزء أساسي منه - أن تدعو مصر إلى فتح معبر رفح منذ بدء العدوان بغض النظر عمن يديره أو يشرف عليه حتى وإن كانت «حماس»؟.
ألم يكن من المناسب أن ترفع السلطة في رام الله صوتها عاليا كما رفعته تركيا أو فنزويلا مثلا للمطالبة بإيقاف العدوان بأقسى التعابير وتدعو إلى قمة عربية طارئة أو تدعو إلى معاقبة «إسرائيل» على عدوانها ومجازرها ضد المدنيين؟.
«حماس» ليست معصومة من الأخطاء، وخصوصا عندما انقلبت على الوحدة الوطنية بطريقة مثيرة للجدل كلفها شرعيتها بالفوز ديمقراطيا بالانتخابات في العام 2006، لكن مسئولية السلطة الفلسطينية وخطأها أكبر من حركة إسلامية ناشئة عمرها السياسي لم يتجاوز سن المراهقة إذا جاز لنا التعبير.
القيادة التاريخية الفلسطينية فشلت في امتحان غزة وعليها الآن أن تدفع ثمنا شعبيا لا يقل عن الثمن العسكري والسياسي الذي ستتحمله «حماس» من خسائرها الفادحة في قطاع غزة.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ