العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ

دروس أولية سريعة من غزة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تقترب حرب غزة من نهايتها وبقرار منفرد واحد من الطرف الإسرائيلي الذي لم يكف إعلامه عن تكرار «أن الحرب قد وصلت نهايتها، بعد أن حققت أهدافها المطلوبة». ولو تمعّن الواحد منا فيما جرى خلال الواحد والعشرين يوما، وهي التي شنت فيها «إسرائيل» هجومها على غزة، فسنكتشف أن هناك دروسا غنية يمكن أن نستقيها، فيما لو وضعنا مسافة معينة بيننا وبين عواطفنا وآلامنا.

هناك الكثير من الدروس الغنية التي يمكن القول إنه من المبكر الخروج بها في هذه المرحلة المبكرة من مراحل تلك الحرب، التي أعدت لها «إسرائيل»، وبوغت بها العرب، كما جرت العادة، تتفرع على أكثر من صعيد. سيجد الإعلاميون مادة ثرية لو أنهم راجعوا ملفات الإعلام الصهيوني ورصدوا حركته خلال الأشهر الستة التي سبقت الحرب، والأسابيع الثلاثة أثناء معاركها. وسيدرك السياسيون ضخامة آلة العمل السياسي الإسرائيلي، بضخامتها وتجنحاتها، وسيكتشف العسكريون والاستراتيجيون عمليات جديدة عليهم أن يزيلوا التراب المتراكم على معلوماتهم وخبراتهم التي يمتلكونها كي يستوعبوا أهداف الحرب وآلية حركتها. لكن كل ذلك لايعفينا من الخروج ببعض الاستنتاجات السريعة التي طفَت على السطح من خلال أحداث تلك الحرب وتعرجاتها والنهايات التي آلت إليها. ولربما تتمظهر تلك الدروس في شكل علامات استفهام كبيرة بحاجة إلى إجابات جريئة تشكل قاعدة صلبة تبنى عليها استخلاصات تلك الدروس.

الدرس الأول، أو بالأحرى علامة الاستفهام الأولى هي هل هناك جسم عربي أو حضور عربي مستقل، يمكن الحديث عنه ككتلة واحدة لها مصالح مشتركة واستراتيجية متكاملة؟ ما أثبتته حرب غزة، وربما حروب سابقة إسرائيلية - عربية، أنه باستثناء اللغة العربية التي ينطق بها العرب، يصعب الحديث عن كتلة عربية يمكن الاتكاء عليها في حرب فلسطينية - إسرائيلية.

حرب من مستوى وشراسة حرب غزة، لا يكفيها النواح على الشهداء، ولا ينفعها جمع التبرعات، مهما بلغ حجمها، ولا تعطي الفلسطينيين أية قوة إضافية في أرض المعركة عدد القمم العربية أو الخليجية التي ازدحم الإعلام العربي بدعواتها خلال الأسبوعين المنصرمين.

لقد أثبتت حرب غزة أن التمزق العربي أو بالأحرى الاصطفاف التناحري العربي أعمق من أن توحده حرب مثل حرب غزة. وبالتالي، فعلينا أن نتوقف عن اللهث وراء وَهمٍ اسمه «الموقف العربي» أو «الدعم العربي». لذلك فعلى الفلسطينيين، إن هم أرادوا الصمود والانتصار أن يعتمدوا على أنفسهم، حينها سيجدون العرب غير قادرين إلا أن يقدموا الدعم لهم. ليست هذه دعوة للانفصال بقدر ما هي تجسيد حقيقة ربما تبدو مرة في ظاهرها، لكنها صحية في الاعتراف بها.

نظرة سريعة على التحالفات العربية على الصعيدين العربي والعالمي، ستعطينا بالواقع الملموس أن الصراع الداخلي بين المحاور العربية المتناحرة التي أفرزتها التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط أكثر حدة من الصراع بين بعضٍ منها وبين «إسرائيل».

الدرس الثاني، هو «طبيعة الكيان الصهيوني»، أو بالأحرى، هل تستطيع «إسرائيل» أن تعيش وتستمر في العيش في بيئة يسيطرعليها السلام والتعايش المشترك؟ وتأتينا الإجابة واضحة وصارخة من فوهة الدبابة الإسرائيلية بأن «إسرائيل» دولة تنتعش في الحروب ولا تمتلئ رئتيها إلا بدخان البارود. هي كما السمك الذي لا يعيش خارج الماء، مهما كانت نظافة وصحية البيئة التي يُنقل إليها، كذلك «إسرائيل»، لايمكنها أن تستمر كدولة وكمجتمع في محيط مسالم، ولذلك فغرفة الإنعاش بالنسبة لها هي ميادين الحروب وساحات المعارك. ومن هنا فإن أفضل سلاح نشهره في وجه «إسرائيل» هو السلام، لكنه السلام القائم على القوة والتفوق، لا السلام المبني على الخضوع والاستسلام. نحن هنا نتكلم عن سلام استراتيجي لا يضحي بالفلسطينيين أو أهدافهم.

الدرس الثالث، هو حقيقة مقولة «التفوق الصهيوني»، والتي أثبتت الحرب أنها خرافة رددها العرب قبل غيرهم وروجوها أكثر من سواهم وصدقوها وقبلوا بها قبل غيرهم. فلو تمعنّا في بعض المعارك سنكتشف عقم آلة الحرب الإسرائيلية وفشلها في تحقيق النصر المطلوب ضمن الوقت المحدد، وفي إطار الخطة المرسومة. الآليات المتحركة تتحول إلى عبء حقيقي في الحركة، عندما تكون في منطقة مكتضة السكان صيقة المسالك مثل غزة. حتى سلاح الطيران يفقد نسبة عالية من كفاءته عندما يفقد أهدافه الاستراتيجية الباحثة عن كثافة مدنية عالية، أو مكامن عسكرية متقدمة، وهما هدفان يمكن أن يفقدهما سلاح الجو الإسرائيلي عندما يتم الإعداد له على نحو جيد. علينا أن ننتزع من داخلنا تلك النزعة الدونية، التي لا نفصح عنها علنية تجاه «إسرائيل»، ونتصرف معها كعدو يمكن أن نهزمه، بقدر ما يمكن أن ينتصر علينا.

هذه الدروس وأخرى غيرها، ينبغي أن تقوم على فرضية أساسية قاعدتها أن «إسرائيل» جسم غريب في المنطقة زرعه مشروع استعماري، التقت مصالحه في مرحلة معينة مع مصالح الحركة الصهيونية. لكن وكما تعلمنا دروس التاريخ، ومن بينها دروس حرب غزة، ليس هناك تحالف سرمدي، ومصالح الدول متحركة والدولة الناجحة هي تلك التي تقرأ الخارطة السياسية في منطقتها بشكل صحيح وتجيرها لمصلحتها. وهذا ما نجحت فيه «إسرائيل» على امتداد ما يربو نصف قرن على قيامها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً