العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ

حقائق تكشفها الملحمة الغزّاوية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

يستطيع الإنسان أن يعرف أهمية وحجم المشهد الغزَّاوي من زخم النشاطات العربية والإقليمية والدولية التي تتعامل مع أدقّّّ تفاصيله. ذلك أن الجميع يعرفون أن نتائج المحرقة الصهيونية ستقرر سير المسألة الفلسطينية لعقود طويلة مقبلة، بل وستقرر إلى حدّ كبير نوع المشهد السياسي في الوطن العربي لسنوات عديدة مقبلة. إن زجّ قسم كبير من الماكثة العسكرية الصهيونية في المعركة، والانقسامات العميقة بين الأنظمة العربية بشأن عقد القمة العربية الطارئة وعن مكان انعقادها ووبشأن توقيت ذلك الانعقاد، والنشاط الدولي وعلى الأخص الغربي المحموم لتأطير المحرقة وتشويه معانيها، وبعض المؤامرات الخفيّة والعلنية لإلحاق الهزيمة بالمقاومة في غزة... إنها جميعا تؤكد أن أبعاد الموضوع لن تكون عسكرية ميدانية فقط، وإنما ستتعداها إلى حقول مستقبل المقاومة العربية والإسلامية بأسرها وإلى مستقبل بعض الأنظمة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية الحالية، وإلى اضطراب التوازنات الإقليمية والدولية في الأرض العربية كلها.

من هنا الأهمية الكبرى للعضّ على قراءة الموضوع الغزاوي من زوايا كثيرة مختلفة حتى ينزاح غبار المعركة الملحمية التي تدور رحاها بصورة مدهشة.

دعنا إذن نلخّص حقائق ووقائع المشهد في غزة الملحمة وهو يدخل أسبوعه الرابع:

أولا: هناك الصمود المذهل المفاجئ للمقاومة، مسنودا بجماهيرها المحيطة بها في كل مكان والمضحية من أجلها في أرض المعركة بصبر هو فوق طاقة البشر. وسواء أنجح الصهاينة في احتلال غزة كلها أم لم ينجحوا فإن عقارب ساعة الصراع العربي - الصهيوني لن تعود إلى الوراء. إن الشعب الفلسطيني قد نقلته المقاومة لا كشعب حجارة واحتجاجات وإنما كشعب محارب بالسلاح، وهو أمر بالغ الأهمية على المدى الطويل.

ومن هنا الاستماتة الأميركية والصهيونية والغربية المتواطئة وبعض الأنظمة العربية المذعورة وبعض الجهات الفلسطينية الفاسدة، استماتتهم جميعا في إفشال هذه النقلة النوعية في النضال الفلسطيني التي ستحدث، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نقلات نوعية مماثلة في المقاومات الأخرى من جهة وفي العمل السياسي المدني من جهة أخرى.

ثانيا: هناك الدلائل التي تدحض الاعتقاد السابق بأن الشارع العربي قد دخل مراحل النعاس السياسي واللامبالاة تجاه قضايا الأمة الكبرى. لقد ثبت في الأسابيع الأخيرة أن هذا الشارع، وعلى الأخص شبابه، على أتمّّّ الاستعداد للانخراط في العمل السياسي النضالي إذا كان الهدف واضحا ومجمّعا وبعيدا عن العنعنات الطائفية والإيديولوجية، هذه القدرات الكامنة في الشارع العربي تفسّر المشهد المضحك المبكي لمواقف بعض الحكومات العربية وهي تترنّح بين أقوال العلاقات العامة وبين أفعال التواطؤ مع هذه الجهة أو تلك ضد جماعة محاصرة جائعة عريانة لا ذنب لها إلاّ قولها بأنها لن تساوم على كرامة أمّتها وعلى حقوق شعبها.

ثالثا: لقد تبيّن أن تشرذم الحركات السياسية المدنية العربية عبر العقود الماضية وعدم قدرتها على تكوين تيار متناغم متعاون متفاهم على ماهو مهم مصيري وما هو هامشي جعلها إبّان المحن الكبرى، مثل محنة غزة، غير قادرة على تكوين أداة فعل جماهيرية ضاغطة على الحكومات العربية. فمطالب الجماهير لقطع العلاقات مع العدو الصهيوني وإنهاء كل تطبيع معه أو فتح معبر رفح بقيت مطالب مظاهرات لا أداة سياسية لها لجعلها مستجابة من قبل الأنظمة المعنية. ولما كانت المعركة مع الصهيونية ممتدة فإن المطلوب من قيادات المجتمع المدني السياسية استيعاب هذا الدرس المهم لتستطيع التأثير في اتخاذ القرارات الرسمية إبّان كل محنة كبرى للأمّة.

رابعا: ظهر بصورة جلية أن النظام السياسي -الاقتصادي- العسكري في أميركا لن يتغير بتغير الرؤساء الأميركيين أو بتبادل السلطة الديمقراطية الصّورية. إن أميركا ستبقى إذن معادية للعرب: تحتل أرضهم، تنهب ثرواتهم، تسند فاسديهم ومستبديهم، وتنعش عدوّهم الصهيوني بالمال والسياسة والإعلام. وعليه فالتعويل على الخارج، سواء الأميركي أو الأوروبي أو الدولي، لن ينفع مالم تكن وراء ذلك التعويل قوى عربية مقاومة محاربة مكافحة ومجيّشة في كل وقت. التعامل مع أميركا كعدو أصبح ضرورة حتى تغير انحيازها ضدّنا ولؤمها في التعامل مع كل قضايانا.

هناك حقائق أخرى كثيرة ستظهرها الأيام، فملحمة غزة تختزن الماضي والحاضر الماضي والحاضر والمستقبل، وستكتشف الحركة الصهيونية أن أكبر أخطائها نار المحرقة المجنونة في غزة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:37 م

      إيمان بأن النصر من الله

      اللهم لا ترفع لإسرائيل ومتصهيني العرب في القدس راية ولا تحقق لهم في غزة راية .. اللهم أفرغ عليهم صبرا وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين .. وأتذكر هنا الآية الكريمة في وصف حال النبي ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الممرين ) وهذا حال أحبابنا في غزة وسيمكر الله لهم بيقينهم أن النصر يأتي من رب البشر لا البشر

اقرأ ايضاً