العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ

غزة في ظل الانقسامات العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

جاءت نتائج قمة الدوحة التشاورية بشأن غزة أقل من التوقعات. فالقرارات التي صدرت في بيان ختامي هي أقرب إلى توصيات تحتاج إلى آليات وتوافقات إقليمية وعربية ودولية لتنفيذها ميدانيا. حتى موضوع إعلان وفاة «مبادرة السلام العربية» تعرض للنقد والملاحظات واعتراض الرئيس اللبناني ميشال سليمان لكون المسألة تحتاج إلى إجماع عربي مضاد وخطة بديلة تتطلب من المنظومة العربية خطوة مشتركة لإعادة هيكلة الاستراتيجية الدفاعية.

إلى ذلك شهدت أروقة القمة التشاورية تجاذبات إقليمية كشفت ضعف المحور الإيراني - السوري وعدم قدرته على كسر التوازنات العربية وتعديلها لمصلحة الجانب المضاد لمنظومة الإجماع العربي المتمثل في التمسك بالدعوة إلى عقد قمة الكويت الاقتصادية. وضعف المحور الإيراني - السوري ظهر بنيويا في خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تراجع عن تهديداته السابقة بالحرق والاجتثاث والاقتلاع ومسح «إسرائيل» من الخريطة السياسية. فالخطاب الإيراني لم يكن في سوية التوقعات إذ أظهر سلسلة تراجعات عن تلك الصواريخ الايديولوجية التي أصيبت مرة أخرى بأعطال «فنية» و»تقنية» كما كان حالها أبان العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 ودام آنذاك نحو 34 يوميا.

المسألة إذا ليست في الايديولوجيا والخطابات اللفظية والمزايدات الكلامية بقدر ما هي تخضع في النهاية لموازين القوى والجغرافيا السياسية ومدى استعداد الأطراف المعنية على التضحية وترجمة البيانات إلى أفعال. فالبنود التي صدرت عن القمة التشاورية بلغت 11 نقطة ولكنها في مجموعها العام افتقدت إلى آليات تبرمج خطواتها في سياسة ردعية تمتلك الإمكانات على تنفيذها. فالكلام عن العدوانية الإسرائيلية ومطالبة «إسرائيل» بوقف إطلاق النار والالتزام بالقرار الدولي 1860 والتعويض وإعادة الإعمار وغيرها من نقاط يحتاج في النهاية إلى وعاء إطاري يجدول السياسة في برنامج عملي.

عدم قدرة القوى المجتمعة في الدوحة على التوافق على ترسيم حدود ذاك الإطار أضعف «البيان الختامي» وافقده الزخم المطلوب لتمييزه عن بيانات جامعة الدول العربية. فالبيان شكل في ختام المطاف إضافة كلامية على مئات البيانات العربية التي صدرت تباعا طوال عقود من الزمن ولم تلق سوى الإهمال أو النسيان في مستودعات وملفات الدول.

إذا كانت هذه هي النتيجة العملية للقمة التشاورية فلماذا عقدت، وعلى ماذا راهنت، ولماذا أصرت على توجيه «ضربة استباقية» قبل انعقاد قمة الكويت الاقتصادية؟ السؤال طويل والإجابة عنه تحتاج إلى قراءة تتجاوز حدود قطاع غزة وما يحصل فيه من دمار وخراب وقتل وتقطيع أوصال.

المسارعة إلى عقد قمة تشاورية تسبق الكويت كانت محاولة لإرسال خطاب سياسي إلى الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما قبل ثلاثة أيام من دخوله البيت الأبيض. والرسالة السياسية حاولت أن تظهر مدى قوة المحور الإيراني - السوري والمستوى الذي بلغه من قدرات خاصة تسمح له بقلب الطاولة وكسر الموازين وتغيير المعادلات وخلط الأوراق. هذا جانب من الرسالة السياسية. والجانب الآخر منها أراد أن يكشف للرئيس الأميركي الجديد أن المحور المذكور يمتلك من الخصائص الذاتية القادرة على ضبط الشارع والانفعالات وفتح النار ووقفها ما يعني أن واشنطن لابد لها أن تأخذ هذه المسألة في الاعتبار إذا أرادت البدء في التفاوض العلني مع طهران ودمشق والمباشرة في المساومة وتسوية الأوراق واحدة بعد أخرى.

رسالة ضعيفة

بكلام آخر أرادت الرسالة السياسية في جانبيها أن تؤكد قوة المحور الإقليمي الجديد والصاعد على حساب مواقع ونفوذ المحاور العربية التقليدية السابقة، وبالتالي فإن الولايات المتحدة المستعدة للحوار والتفاوض عليها أن تقرأ هذه المسألة جيدا من خلال رؤية العلاقة انطلاقا من زاويتين: غزة من جانب والقمة التشاورية من جانب آخر.

هذه الرسالة كما يبدو فشلت سياسيا سواء على صعيد غزة باعتبار أن بيان القمة التشاورية لم يقدم الجديد والعملي والميداني والبديل وسواء على صعيد أظهار القوة الإقليمية باعتبار أن القوى التي التقت في الدوحة تمثل عدديا أقلية عربية (قطر، سورية، لبنان، الجزائر، السودان، موريتانيا وجزر القمر) وهي غير قادرة على تجاوز البوابة المصرية والسقف الدولي. فالقمة التشاورية في نتائجها العملية والتمثيلية أعطت صدقيه أقوى للمحاور العربية التقليدية التي أظهرت قدرة على التكيف مع المتغيرات والمعادلات في إطار موازين القوى الميدانية ما سيكون له انعكاساته الدبلوماسية في سياق الاتصالات السياسية المتوقع حصولها قريبا مع الإدارة الأميركية الجديدة.

فشل القمة التشاورية في أظهار إمكانات القوة الإقليمية البديلة سيكون له انعكاساته على العملية التفاوضية المتوقع حصولها مع طهران ودمشق في عهد رئاسة أوباما الذي سيبدأ مهماته بعد ثلاثة أيام. فواشنطن ستفتح أبوابها التي لم تكن مغلقة أصلا مع إيران وسورية ولكنها لا شك ستعيد النظر في قراءة موازين القوى العربية والإقليمية بناء على ما ارتسم من خرائط سياسية في الدوحة والكويت. فالخرائط أظهرت أن ميزان القوة لا يزال يرجح كفة المحاور العربية والتقليدية وهذا ما سيترك مردوده العكسي على نوعية «الهدايا» و»الحوافز» التي يفكر أوباما في تقديمها للمحور الإيراني - السوري.

القمة التشاورية في خواتيمها البيانية والسياسية لم تقدم تلك المفاجأة التي كانت متوقعة. فهي جاءت عادية وأقل من المنتظر وأعطت صورة مخالفة لكل المراهنات التي أسس عليها المحور الإقليمي الجديد والصاعد تصوراته الايديولوجية. وهذا الأمر يمكن أن يشكل خطوة ارتدادية قد تؤثر سياسيا على الكثير من الحسابات والقراءات وربما يعيد ترجيح دور المحاور العربية والتقليدية التي أظهرت الكثير من الثبات ولم تتراجع عن مواقعها على رغم كل الضغوط الإعلامية وحملات التجريح وحفلات السباب والشتائم المعطوفة على تحريف الصراع العربي - الإسرائيلي وتحويله إلى صراع عربي - عربي.

فشل القمة التشاورية في انتزاع ورقة قطاع غزة وإخراجها من البوابة الجغرافية يعطي قوة للدبلوماسية المصرية (الدعوة لقمة تشاورية أخرى تعقد اليوم في شرم الشيخ) ويجدد دورها في إعادة إنعاش المبادرة التي تقدمت بها القاهرة ولاقت الدعم الفرنسي والتأييد الروسي. وهذا الفشل لا يعني أن الوضع العربي سيستقر أو سينجح في تجاوز الانقسامات إلا أنه قد يعيد ترسيم معادلات تتأسس إقليميا في ضوء النتائج التي ستسفرعنها قمة الكويت الاقتصادية. فهذه القمة ستعقد بغالبية عددية وعلى قاعدة مقررات قد تنال موافقات اجماعية ما يعني أن النصاب القانوني والتشريعي والميثاقي أعطى فرصة زمنية جديدة للجامعة العربية لتجديد موقعها التوافقي ودورها في صوغ الحد الأدنى المشترك للمحاور على أساس الموازين الفعلية لا السياسات الملتوية والخطابات الإنشائية والصواريخ الإيديولوجية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2326 - السبت 17 يناير 2009م الموافق 20 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً