العدد 2362 - الأحد 22 فبراير 2009م الموافق 26 صفر 1430هـ

الصَّالِحُ والأَصلح للحكومة العاشرة فِيْ إِيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في إتمام المفاضلة بين عهدي خاتمي ونجاد وصلٌ ضروري بما آلت إليه (اليوم) الدولة الإيرانية «استراتيجيا». فهو الحقيقة الأبرز التي تُعطي مؤشّرا للقوة في قِبال الضعف (أو العكس) أمام أزمات الإقليم والضغوط الدولية.

فالإيرانيون يرون أن حضورهم يعني كل شيءٍ له فرص التحول إلى نقطة قوة، أو شكل يُدعّم من تمدّد أفقي/ عمودي لدولة ما ضد الأخرى، فتُصبح قادرة على تسخير ذلك ضمن خيارات الردع، أو اللعب في ساحة الخصم.

إذا يتكرر السؤال في هذه المقالة: أين صارت إيران اليوم في ظلّ حكم الرئيس أحمدي نجاد والتي لم تكن عليه كذلك إبّان عهد السيد محمد خاتمي؟. هنا أستعرض محورين رئيسين يُمكن الحديث عنهما، وهما النفوذ ومشاغل الطاقة.

اللعب في ساحة الخصم

قد أدّعي هنا قولا غير متجاوزٍ فيه وهو أن السيد خاتمي لم يُفلح في تثمير قدرة الدولة الإيرانية كما فَعَلَهَا الرئيس أحمدي نجاد لكسب معادلة القوة الاستراتيجية المتمثّلة في «المتّسع بسعة جغرافية في الداخل وقدرة تأثيرية في المحيط القريب».

فبعد مجيء السيد خاتمي، الْتَحَفَ بردائه تيار سياسي متطرف من جبهة الثاني من خرداد (الإصلاحية) يحمل نَفَسَا قوميا. كان هذا التيار يُنادي بضرورة النأي عن الملفات الحسّاسة في المنطقة، التي تتطلب المشي على حوافّ الأزمات، وكسب الوقت فيها، كملف العراق وفلسطين ولبنان.

وكان هذا التيار يُصرّ على أن البديل لمصالح إيران القومية في تلك المرحلة هو خارج أزمات الإقليم بشكل مباشر عبر تسوية المشاكل مع الولايات المتحدة، ثم الولوج إلى القضايا الإقليمية عبر تلك التفاهمات.

كانت هذه المجاميع ترى بأن السياسة الخارجية يجب أن تجعل المصالح الوطنية (المُعرّفة على أساس القوة المادية) هي الملاك في تحقيق هامش ربح مُضاعف. وأن غير ذلك سيُفقِد إيران الكثير من مصالحها.

وربما حالَ دون بروز هذه التوجّهات السياسية بشكل فاقع وعلى مستوى الإجراء، هو وجود القيود المُشرّعة في المادة من 110 من الدستور والتي تُخوّل المرشد الأعلى وضع السياسات العامة للبلاد.

لكن ورغم كل ذلك فقد تكفّل الخطاب الإعلامي والسياسي والآليات التنفيذية لتلك المجاميع، وخصوصا في لجنة السياسات الخارجية والأمن القومي داخل المجلس السادس الذي كان يُسيطر عليه الإصلاحيون بإبراز هذه النزعة بشكل لافت.

فقد مَنَعَ مصطفى مُعين وزير التعليم العالي في حكومة خاتمي تظاهرة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1999 كانت مُقرّرة أمام السفارة الأميركية في طهران عشية الذكرى العشرين لاحتجاز الرهائن الأميركيين، لأن السلطات «لا ترغب في إحراق أعلام أميركية» حسب قول الوزير.

كذلك التزمت حكومة خاتمي الصمت بعد زيارة إيهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك لتركيا، وتكفّلت بذلك هيئة الإذاعة والتلفزيون التي تعتبر هيئة مستقلّة عن الحكومة. كما أن الطلب الذي قُدِّمَ للهند لإعطاء طهران تفسير حول منح نيودلهي تأشيرة دخول للكاتب سلمان رشدي كانت قد صَدَرَت في البداية من قِبَل منظمة الخامس عشر من خرداد تطلب ذلك الخارجية الإيرانية.

لقد كانت هذه السياسات محلّ إشادة وتشجيع صريح من الغرب. فقد تحدّث عن ذلك صراحة فرانسوا ريفاسو مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسي في 29 أكتوبر 1999 خلال زيارة خاتمي لفرنسا.

وهنا يجب الفصل بين سياسة الانفتاح التي كان يُنادي بها الرئيس خاتمي، وبين تظهير هذا الانفتاح على وضع إيران داخل الجرف الإسلامي المتاخم لها سواء بالبروز أو الضمور الاستراتيجي. بمعنى التعديل في سلّم الأولويات أو الرغبة (الإرادية) في تأجيل ذلك.

بعكس تلك السياسات الخاتمية فإن حكومة المحافظين (التاسعة) برئاسة أحمدي نجاد كانت تقول بأن حدود البلاد (السياسية) ستكون حيث يضع الإيرانيون نفوذهم ويمدّوا عُنقهم، فذلك من شأنه أن يُحقق معادلة «اللعب في ساحات الخصوم».

فحرّكت القيمة الدينية لإيران مُوصلة جذورها الإسلامية وعلاقاتها التاريخية مع قضايا جنوب الخليج وباكستان والعراق وتركيا وكذلك مع دول جنوب شرق القارة القديمة حيث يهجع ثلثا سُكّان العالم وخُمْس المسلمين.

لقد أدركت الحكومة التاسعة المحافظة أن السياسة الخارجية لا تقوم على مُتغيّر واحد بل مجموعة من المتغيرات التي من ضمنها مُتغيّر العُمق الانتمائي للدين الإسلامي. فمصالحها تتأثّر بالمنظومات المادية وغير المادية معا، وتُعرّف هويتها من علاقاتها الاجتماعية الخارجية كما الداخلية.

لذا فإن مصالح إيران على المستوى الإسلامي تتماهى مع مصالحها الوطنية؛ لأن هذه المصالح تُعرّف في إطار النظام القِيمي السائد في المجتمع الإيراني والخطاب الإيراني السائد. (راجع دراسة جلال دهقاني فيروزآبادي حول مسارات السياسة الخارجية الإيرانية).

وربما تُوسم خطابات الرئيس أحمدي نجاد بالراديكالية لكن الرجل أيضا لم يخلط بين تلك الخطابات التي كانت مُوجّهة في غالبيتها إلى واشنطن وتل أبيب، وبين تكريس حضور إيران في قوس العالم الإسلامي.

وقد كان لتلك السياسة تحوّل مهم في أن تتمايل ما بين التأثير والتفاعل. ففي الأحيان التي كانت سياسات الحكومة التاسعة مُؤثّرة كانت تخلق الفرص وتسنّ القواعد. وفي الوقت الذي كانت فيه متفاعلة فإنها كانت تستثمر (وبقوة) الفرص التي تنشأ من تدافع الآخرين.

قطاع النفط

في يوليو/ تموز من العام 2005 أي قبل شهر من تولّي أحمدي نجاد الحكم أعلن بيجان نامدار زنكنة وزير النفط في حكومة خاتمي بأن طهران باتت تُنتج 4.2 مليون برميل من النفط يوميا بعد افتتاح حقل دار كهوفين.

أي بزيادة وقدرها 300 ألف برميل عن مستوى الإنتاج السابق، وهو ما يعني أن الزيادة إذا ما تمّ توزيعها على فترتي حكم الرئيس خاتمي في الحقبتين الأولى والثانية تكون 37.5 ألف برميل يوميا.

في حين أنه وخلال فترة الرئيس أحمدي نجاد بلغ إنتاج النفط (على الأقل إلى ما قبل انتهاء ولايته في أغسطس/ آب القادم) إلى خمسة ملايين برميل في اليوم، أي بزيادة وقدرها 800 ألف برميل يوميا. بمعنى مئتي ألف برميل سنويا كزيادة فعلية، أي ثلاثة أضعاف الزيادة التي كانت تُنتجها حكومتي خاتمي الأولى والثانية.

كذلك فقد دخلت حكومة الرئيس أحمدي نجاد في تحريك قيم الطاقة باستثمار آلياتها. فقد قامت باستئجار 15 ناقلة نفط عملاقة من أصل 36 ناقلة هي المتداولة عالميا لتخزين الخام الرخيص في أعالي البحار بغرض بيعه لاحقا عند ارتفاع الأسعار، وخصوصا أن كلفة تخزين البرميل لمدة شهر على ناقلة عملاقة لا يتجاوز 90 سنتا. (راجع ما ذكرته شركة لويدز للتأمين).

في السابع عشر من شهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي (أي قبل اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية + ألمانيا في برلين) دعت هيئة مساءلة الحكومة في الكونغرس الأميركي حكومة بوش إلى «إعادة النظر في العقوبات التي فرضتها (واشنطن) على إيران في العقدين الأخيرين» لأنها لم تعد ذات جدوى.

وخصوصا أن هذه الهيئة تُقدّر عقود الطاقة الأجنبية التي أبرمتها الجمهورية الإسلامية منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2006 ولغاية ديسمبر 2007 مع القطاع الخارجي بلغت عشرين مليار دولار.

ونحن هنا نتحدث عن تزايد الاستثمار الأجنبي في مجال الطاقة الإيرانية خلال مرحلة صدرت خلالها أربعة قرارات أمميّة بسبب البرنامج النووي الإيراني، وهي القرار 1696 (صدر في أغسطس/ آب 2006) والقرار 1737 (صدر في ديسمبر 2006) والقرار 1747 (صدر في مارس/ آذار 2007) والقرار 1803 (صدر في مارس 2008).

في المُحصّلة فإن ما أذهب إليه في هذه المقاربات هو تقديم رؤية مُرقّمة قد تقود إلى وضعنا في صورة الحدث الانتخابي الإيراني. لكن هذه المقاربات أيضا لن تزيد شيئا على ما سيُقرّره الشارع الإيراني خلال الانتخابات

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2362 - الأحد 22 فبراير 2009م الموافق 26 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً