استعار النائب العُمّالي في البرلمان البريطاني عن روذرهام ستيفان ثل في تشبيه الموقف الأوروبي والأميركي من الاستئساد الروسي على تبليسي ما قاله روين ويليامز في تحذيره لشرطة بريطانيين غير مُسلحين: «قِف مكانك! وإلاّ قلنا لك مُجددا قِف مكانك».
هذا التعبير ربّما يُلخّص بالضبط ما فعله الأنغلوساكسونيون والفرانكفونيون مُجتمعيين مع حليفتهم القوقازية أو الشاة المسلوخة «جورجيا». وقد يزداد اللوم بدرجة أو درجتين على الأميركيين الذي وجدوا الجورجيين يفدونهم في حرب العراق العرجاء حين وقف أكثر من ثلاثة أرباع العالم ضدها وضدهم.
الروس لم يُبالغوا بعد بالاستهتار من ردة الفعل الغربية ضدهم حتى مع تشدّق وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير في لقاء له مع الصحافية تريسي ماكنيكول في باريس بأنه يتحدث باسم نصف مليار إنسان يقفون ضد التدخل الروسي.
فموسكو تطمئِن ساعة بعد ساعة على تحركها حين تسمع من كوشنير في اللقاء ذاته كيف يَنْهَرُ ماكنيكول عندما سألته عن عقوبات اقتصادية غربية مطروحة ضد روسيا. ليرد «أية عقوبات تتحدثين عنها ضد بلد يُزوّدك بالطاقة؟ هل تريدين منا أن نقطع عنها الغاز في الغلاف الجوي؟ أنت تتذكرين ما فعلوه بأوكرانيا».
يزداد اطمئنان موسكو أكثر حينما ترى الإيرانيين يُركّبون عنادا فوق عناد بشأن برنامجهم النووي وعمليات التخصيب، فيرتد الغرب إلى خيار الإجماع الدولي لِلَيّ الذراع الإيراني من جديد. وهو يعلم أنه ومن دون الروس يُصبح ذلك الإجماع أخرقا وبلا عجلات متساوية.
يزداد اطمئنان موسكو اليوم حين ترى أن حلف شمال الأطلسي لا يُدافع إلاّ عن كتلته الطبيعية التقليدية. أما الكتُل الصناعية (البلقانية) الأخرى والتي دخلت تحت عباءته (فقط) لإخماد جذوة ما بقي من أدخنة أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية فهي متروكة للاحتيال على البند الخامس من ميثاقه. وللجميع عِظَةٌ في استونيا.
يزداد اطمئنان موسكو وهي تسمع أيفان كراستيف يقول: «إن هناك حنينا متزايدا بين الأوربيين لعودة الاتحاد السوفياتي وحالة اليقين التي كان يُمثلها. فروسيا اليوم على خلافه غير محصورة ضمن نطاق نفوذها، لأن من يحكمها هم أناس يمتلكونها، ونظرتهم العالمية تُحددها قوميتهم المتنامية».
يزداد اطمئنان موسكو أكثر حين ترى أن الثورات البرتقالية أو المخمليّة التي قامت في بعض جوارها لم تكن إلاّ طبخا محروقا. وأن شعوب القوقاز وما سقط من أعلى كتف الكتلة المنهارة، لديها من القومية ما يكفي لأن تلتفت إلى الوراء لاستحصال ذاتها والتكوّم عليها ولبس فروها المناسب.
وربما صُدِم الغرب بموقف رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا تيموتشينكو التي عرّبت لرمي كل أوراق اللعبة داخل المُربّع الأميركي قبل أربعة أعوام، وتصيّرت كأحد أهم أحجار الشطرنج فيه. فهي اليوم مُناكفة لرئيسها الحليف للغرب، ومُنحازة لستة وخمسين في المئة من الأوكرانيين الشرقيين المُؤيدين لموسكو!.
اليوم لا تبدو السياسة قادرة على فِعل مُعجز يُغيّر الهويات القومية للشعوب. فهي وإن تبدّلت (أو تمنطقت بفعل الساسة الطارئين) في طور، ترتد إلى طورها الأول بصورة أكثر راديكالية. فكيف بها إذا جاءت على كفّ السياسة الغربية المُترعة بالبراغماتية، والتي بات الجميع مقتنع بأنها تهزّ يدك قبل الانتخابات، لكنها تهزّ ثقتك فيها بعدها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2218 - الأربعاء 01 أكتوبر 2008م الموافق 30 رمضان 1429هـ