التطور النوعي المهم الذي خرجت به قمة غزة الطارئة التي استضافتها دولة قطر الشقيقة، أنه لم يعد مهما بعد اليوم أن يكتمل النصاب حتى تبادر الدول إلى التحرك، لأن التخاذل هو الآخر لا نصاب له.
أولا وقبل كل شي، يجب التأكيد على أن المجازر «الهولكوست» التي ارتكبتها «إسرائيل» في قطاع غزة كان أمرا غير مسبوق في تاريخ الإنسانية وفي تاريخ الحضارة المدنية.
ولم يسقط هذا الكم من الضحايا في هذا الوقت القياسي لا في الحروب النظامية ولا غيرها، ونحن أصبحنا - من حيث لا نشعر- نتعامل مع آلاف الشهداء بأنها محض أرقامٍ لا أكثر، وهنا مشكلة كبيرة جدا، لأننا فقدنا الشعور بكل شي، فالأرقام لم تعد لها قيمة، وأصبحنا ننتظر تحقيق رقم قياسي في الدم.
هذا الكيان ورعاته الرسميون أداروا ظهرهم لكل شي، ولم يعد يعيروا اهتماما يذكر للشرعية الدولية التي يراد فرضها علينا نحن العرب والمسلمون فقط دون سوانا، لأن عالم القطب الواحد الذي تديره الازدواجية العوراء أضحى سيد الموقف.
لحسن الحظ أن المجلس الدولي لحقوق الإنسان قد أدان البشاعة والوحشية لهذا الكيان. ولكن هذا المجلس ليس له القدرة على كبح جماح هذا العدو، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي وصل إلى المنطقة متأخرا لم تقابله تل أبيب بإذن صاغية.
ويا للخجل، فأمام صواريخ العدو وأمام فضاعاته، تخرج أصوات تستكثر على أمتنا أن تعقد قمة طارئة!
وعودا على بدء، فإن سر نجاح قمة الدوحة أنها كسرت القواعد المحرمة «التابو» التي كانت مفروضة علينا ردحا طويلا من الزمن، فمعيار النصاب أصبح لأول مرة مغايرا في القاموس العربي، فليس الأنظمة السياسية - وغالبيتها غير منتخبة - هي من تمثل دولها، فنصاب الشعوب هو الفيصل لا نصاب الأنظمة.
ثمة محاولات عديدة مكشوفة ومجهولة من أطراف مختلفة قد بذلت لإجهاض قمة غزة حتى قبل ولادتها، ومخاض هذه القمة كان عسيرا، لكنه ممزوج بدماء المئات من أطفال غزة.
الشماعة التي يتكئ عليها المتخاذلون في عالمنا العربي، بأن دولة قطر تلعب دورا أكبر من حجمها أو أصغر، هذه ليست القضية... هذا التفاف على الحقيقة، مربط الفرس ليس هنا، والحجم الجغرافي سيتحول إلى كتلة صماء إذا كان فاقد التأثير وخصوصا في الظرف التاريخي الذي نعيشه. وقد ارتكبت فيه فضاعات نازية!
ثمة دروس مهمة وبليغة أخرى خرجت منها قمة غزة الطارئة في الدوحة. فدعوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكذلك تركيا كان أمرا مهما وفيه دلالات عميقة، لأن كلتا الجمهوريتين مؤثرتان حيويتان في أمن المنطقة. ولهما دور فاعل في تغيير ميزان القوى، وموقف هاتين الجمهوريتين كان أشرف بكثير من الأصوات العربية الخائرة والمتخاذلة وما أكثرها، ودعوة حركة «حماس» للقمة كان أمرا لافتا.
في أعقاب التوافق غير المسبوق بين الفرقاء اللبنانيين برعاية قطرية، كنت لحسن الحظ متواجدا في العاصمة بيروت، وشاهدت على طول الطريق الطويل الذي يربط المطار بقلب بيروت» كلنا نقول شكرا قطر»، والآن بعد نجاح قمة غزة الطارئة يجب على كل شعوبنا النابضة بالحياة أن تكرر مجددا « شكرا قطر»، وشكرا لكل صوت خارج عن سرب التواطؤ.
وبقي أن نقول: إن الكيان الصهيوني بات من حقه أن يدخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية على قتله نحو 1300 فلسطيني وجرح 5000 شخص من أهل غزة بدم بارد، وكثير من أنظمتنا العربية من حقها أن تدخل «غينيس» على تحطيهما أرقاما قياسية في التخاذل!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2327 - الأحد 18 يناير 2009م الموافق 21 محرم 1430هـ