بين الفترة والأخرى يصدر بيان رسمي عن معدل الغلاء أو عن زيادة السكان، كما تصدر بيانات قومية عن الناتج المحلي ومعدل دخل الفرد وعن نسب النمو فيهذا المجال أو ذاك... ولكن ما نلمسه ونشاهده من مختلف القطاعات، الاقتصادية والاجتماعية، أن الجميع لا يعرف بالضبط كيف يصدق أي إحصاءات تصدر رسمياً، وذلك لأنها ناقصة أو مبهمة أو غير معروفة في منهجيتها العلمية.
وهذا الحديث لا ينطلق من الناشطين السياسيين، وإنما من كبار أصحاب الأعمال الذين يقولون إنهم يتوقون لإحصاءات تفصيلية عن الدخل وعن الاستهلاك وعن مجمل المؤشرات التي يحتاجونها لاتخاذ قراراتصائبة، ولانعدام وجود مثل هذه الإحصاءات فإنهم يلجأون إلى التخمين أو الاستعانة ببيوت الخبرة والاستشارة للحصول على معلومات تقديرية بأغلى الأثمان، في حين أن مثل هذه المعلومات متوافرة بصور أدق ومجاناً في كثير من بلدان العالم.
إن الدعوة إلى بناء قاعدة معلومات على أسس واضحة وذاتصدقية وموثوقية واضحة إنما هي دعوة لكي تتخذ البحرين موقعها الطبيعي والريادي في هذا المجال. فقد كنا الدولة الخليجية الوحيدة التي تصدربيانات إحصائية على مدى عقود طويلة من القرن الماضي، ومن ثم توقف تدفق الإحصاءات الدقيقة منذ ثمانينات القرن الماضي، بل وأصبحت المعلومات الإحصائية غامضة وغير مركبة بطريقة مفيدة لأي شخص يسعى إليها ويحصل عليها بعد جهد جهيد.
إن الإحصاءات الدقيقة والموثوقة تقع في صميم السياسة الناجحة، إذ لا يمكن لأي مشروع سياسيأ و اقتصاديأ نينجح من دون إحصاءات معتبرة... وهذه الإحصاءات يجب أن تكون موضوعية، لا يرقى إليها الشك وتصدر في الأوقات المناسبة وبحسب جدول دوري يرصد مجملا للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
إن تلبية هذه الحاجة يمكن أن تتم عبر إنشاء هيئة مستقلة لخدمة الإحصاءات الوطنية، يقودها الخبراء، وتعمل على توفير قاعدة معلوماتية سليمة تقفعلى أهبة الاستعداد لمساعدة الحكومة وأصحاب الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأن تدفق المعلومات أصبح من مستلزمات الحياة العصرية، وهو يشبه تدفق الدماء في جسد الإنسان، والمعلومات الخاطئة تتسبب في «جلطة» للنظام، تماماً كما تحدث الجلطات القلبية والدماغية في جسد الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"
العدد 2210 - الثلثاء 23 سبتمبر 2008م الموافق 22 رمضان 1429هـ