أي زائرٍ لجبل لبنان يُمكنه مشاهدة ملامح دينية وثقافية مختلفة. إنها ملامح المُوحّدين الدروز. بالتأكيد ليس كلّ الجبل يُعطيك الانطباع ذاته؛ لكن وجهه ونواصيه تتداعى عليها تلك الملامح فتعطيه خصوصية دينية مغايرة.
تتسربل ثقافة الدروز الدينية بقول مأثور لديهم «لا نأسف على مَن يخرج من عندنا، ولا نُرحب بمن يأتينا». وهم بذلك يُمارسون أقسى أنواع السلوك في المحافظة على نقاء الدم والانتماء الديني والسوسيولوجي.
لكن تبرير ذلك لا يخرج عن اعتقادهم بأن جميع الأديان الإبراهيمية المُوحّدة هي مُوصلة إلى الله، وبالتالي فإن تبديل الدين من الإسلام إلى المسيحية أو العكس، أو من الدرزية إلى دين إبراهيمي آخر هو لغرض دنيوي وتكسّبا للمال حسب رأيهم.
في العقيدة الدرزية غموض لمن لا يقرأ عنها كما في سياسة ساستها. لذا فقد اجترح غير نفر من الناس أشياء عن الدروز ومذهبهم بما لا يتفق وواقع الحال. ساهم في ذلك إشاحة الدروز بوجههم عما يُقال في حقّهم من غثٍّ وسمين. لأنهم يرون بأن الرد سيُفضي إلى إيجاد مجتمع مفتوح قد يُفقده الصفاء اللازم لاستمرار الطريقة الدرزية.
ما يهم معرفته في هذه العقيدة أنها مُسْتلّة عقائديا من رحم المذهب الإسماعيلي. ففي نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلادي وإبّان حكم الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله ذهبت جماعة إسماعيلية بزعامة نشتكين الدرزي إلى الاعتقاد بأن الخليفة الفاطمي يمتلك إمكانات إضافية غير التي يملكها الحُكّام العاديين.
وهي في سياق تحديثها الديني ترى أن العقيدة المُوحِّدة قد التأم فيها ما كان من عقائد سبقت الإسلام من ملل فارسية وأساطير قديمة وفلسفة يونانية وهندية استطاع الدين الإسلامي استيعابها وتبيئتها دينيا. وبالتالي فهي جميعها تشريبات رفدت (إلى جانب الإسلام) العقيدة الدرزية.
الغريب أن هذه الجماعة الجديدة التي ظهرت على يمين المذهب الإسماعيلي أتقنت فن إدارة عقائدها بشكل صارم إلى الحد الذي قامت بقتل مُؤسسها نشتكين الدرزي وخمسين رجلا من أتباعه لانحرافهم على عقيدة التوحيد الدرزية وتطرفّهم في التأليه، بل وما زال الدروز يلعنونه في طقوسهم.
وقد تُحيلنا هذه الفكرة إلى القول إن العقيدة الدرزية ترى أن كل شيخ درزي عاقل سالك يمتلك التفويض اللازم في تفسير النصوص الدينية الموروثة عن الحاكم وحدوده الخمسة (كما تُسمّى) تفسيرا غائرا ومُركّبا.
وقد وجدت مثلا في إحدى برامج قناة الجزيرة القطرية التحقيقية أن شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث يرى أن الله لم يُكلّف الإنسان بالصلاة والصوم والحج كرها وإنما طوعا، وبالتالي (والكلام لغيث) فالعبادات إذا «كانت تعبّدات جسمانية لفظيّة من اللسان من دون خشوع القلب لا تجدي نفعا» بينما يرى مرسل نصر وهو قاض درزي لامع عكس ذلك، لأن هذه العبادات هي التي تَصِلُ بالسالك إلى المشيخة الدينية.
في مربوط الكلام يُمكن الاتحاد مع فكرة أن الدروز يربطون أنفسهم بالإسلام. وهم يقرأون تاريخهم الممتد منذ انطلاق الدعوة المحمّدية. ثم خيارهم بالوقوف مع التعيين، وصولا إلى المذهب الإسماعيلي الذي قادهم إلى التشكّل والبروز. وللحديث صلة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ