العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ

إساءة غير مقبولة وتهويل غير منطقي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جراحات اللسان التي يصعب نسيانها ما اتهم به الشيخ يوسف القرضاوي مذهبا إسلاميا عريقا يتبعه الملايين منذ 1400 عام بالمبتدعين. مثل هذه الإساءة يصعب بلعها بأي حالٍ من الأحوال، إلى درجة أن صحيفة «الرياض» السعودية، اعتذرت على لسان رئيس تحريرها تركي السديري، عن نشرها هذه التصريحات المسيئة للمسلمين الشيعة، على صفحتها الأولى، ثم ألغتها في الطبعات التالية «نظرا إلى حالة التعميم والمبالغة غير الموضوعية التي جاءت فيها صياغته».

وكان السديري صريحا في مقاله بعنوان «القرضاوي والاختصار الخاطئ»، السبت الماضي، إذ قال: «نحن في المملكة ضد كل هذه التوجهات... فأخطر معيق لتسارع تطور مجتمعنا هو الانصراف نحو هذا النوع من الابتذال في المواطنة... نسعى لأن نكرّس وحدة ولاء جماعي لوطن واحد تعايشنا فيه عبر قرون طويلة».

إساءة القرضاوي للشيعة جاءت في تصريحاتٍ لجريدة «المصري» الأسبوع الماضي، وكان واضحا جدا مدى المبالغة والتهويل الذي صبغ تصريحاته الأخيرة، رغم ما عُرف عنه من مواقف أكسبته احترام الكثيرين في الماضي، من مختلف الأطراف والطوائف.

الشيخ القرضاوي حفظه الله، حذّر مما أسماه «الغزو الشيعي للبلاد السنيّة، التي لا تمتلك حصانة ثقافية ضد هذا الغزو» على حدّ تعبيره. ولعله بالغ كثيرا إلى درجة التهويل المَرَضي حين قال: «إني وجدت أن كل البلاد العربية هُزمت من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلا عن ماليزيا وإندونيسيا ونيجيريا».

الواقع على الأرض يقول شيئا آخر. الشيعة كانوا وسيبقون أقلية، في حدود 15 في المئة من المسلمين. كلّ ما حدث هو تغييرٌ سياسيٌ وحيدٌ في العراق، جاء بهم إلى الحكم بعد قرونٍ من الإقصاء والقمع والمقابر الجماعية. كان على المحيط العربي أن يتقبّل هذا التغيير ويتعامل معه بروحٍ رياضية وأخلاقٍ دبلوماسية، وخصوصا أن النظام العربي متهمٌ لدى العراقيين مرتين: مرة بالتسبب في إطالة أمد معاناتهم عبر دعم نظام صدام، ومرة بمساهمتهم الفعّالة في حصار العراق لمدة 12 عاما، ومن ثم تسهيل إسقاط بغداد عبر التسهيلات العسكرية والدعم اللوجستي للغزو الغربي للعراق. التغيير في العراق ينبغي التعامل معه كأمر واقع، دون تهويل ولا تضخيم، وحسنا فعلت بعض دول الخليج لتطبيع العلاقات، وفي مقدمتها البحرين، التي عيّنت صلاح المالكي سفيرا لها في بغداد. أمّا تضخيم الأمور والتهويل وتخويف الشعوب والحكومات العربية من غزو «شيعي»، فهو دليلٌ على اهتزاز الرؤية وانعدام البصيرة التاريخية، والبعد عن الواقعية.

ما حدث في العراق تغييرٌ دراماتيكيٌ بلا شك، جاء وفقا لسنّة الله في خلقه، فهو الذي يرفع المستضعفين ويضع المستكبرين، ويهلك ملوكا ويستخلف آخرين. وبلغةٍ دينيةٍ بحتةٍ يفهمها الشيخ حفظه الله: إنها سُنّة الله قاصم الجبارين، ومبير الظالمين، ونكال الظالمين، كما يقرأ المسلمون كل مساء في أدعية الشهر الفضيل.

ثم إن من المبالغة والتضليل، والتهويل الخارج عن الحد والمنطق، تصوير ما يجري على الساحة من أحداثٍ سياسية، على انه انتصارٌ للشيعة على السنة، أو العكس، في وقتٍ يتعرّض فيه كل العالم الإسلامي جميعا إلى ضغط عسكري غربي مستمر منذ ستين عاما، وليس فقط منذ سقوط بغداد.

إنها مأساةٌ أشبه بالملهاة، إذ يعلن كبير الدعاة أن كل البلاد العربية (والإسلامية) سقطت بيد الشيعة: من مصر والسودان والمغرب والجزائر... وصولا إلى ماليزيا وإندونيسيا وجزر المالديف!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً