المواطن البحريني محمود محمد جاسم ورقمه الشخصي هو 520003853 وهو الذي كنا قد نشرنا قضيته بالتفصيل في مقالنا «رسالة من تحت المعاناة» المنشور بتاريخ 19 أبريل/ نيسان 2008 هو كغيره من مواطنين أرهقت كاهلهم الديون البنكية، وأقضت مضاجعهم، وحالت بينهم وبين استقرارهم الاجتماعي والنفسي، فأصبح الإذلال والمهانة والتدمير المعنوي خبزهم وشاغلهم اليومي وهم يتنقلون بين المحاكم من دون أن يهدأ ويهنأ لهم بال، فجميع أيامهم وأعيادهم ومآسيهم وسنونهم هي في حال واحد من البؤس والشقاء حينما تحفهم الكربات من كل جهة ولا يبقى لديهم شيئا قابل للرهن سوى أرواحهم وأرواح فلذات أكبادهم وحرماتهم المصونة!
ولكن وبالعودة إلى أخينا محمود فإن ما يميز وضعه وقضيته بالمقارنة مع غيره من حالات بحرينية عديدة ومماثلة هو أنه قد وجد نفسه بغتة في ظروف مأسوية خارج إرادته بعدما احترق منزله في مدينة حمد في العام 1996م فانقلبت حاله وعائلته على عقب، ففي كل مرة يطرق فيها بابا طلبا للعون والمساعدة فإنه لا يجابه في النهاية إلا بالصمت وبصدى صوته المبحوح والأجش المغسول بالألم يرتجع إليه مجددا لكأنما هو إنسان مخفي يبصر ولا يُبصر بالعين المجردة، ليعود في النهاية خالي الحيلة والوفاض إلا التسليم بقضاء الله وقدره وابتلائه عسى أن يتمسك قدر الإمكان براتبه التقاعدي البالغ 180 دينارا بحرينيا وغلاوة الغلاء التي حصل عليها أخيرا بعد طول مراجعة والتي لا تكفي في النهاية أي مواطن بحريني لإعالة أسرته بحياة كريمة!
لقد تواصل محمود مع مختلف المؤسسات الخيرية في المملكة بشتى أنواعها وتلاوينها دونما أدنى انقطاع ووعدته الأخيرة بدراسة حالته والرد عليه وأرسلت له المفتشين والمحققين الواحد تلو الآخر الذين هم بدورهم وعدوه في حينها خيرا، كما أنه طلب العون والمساعدة من نواب الخدمات والمساعدات الخيرية المحسوبين على الجمعيات الإسلامية، فكان حالهم كحال سابقيهم من الصدود والهروب وعدم الرد بعد الوعد!
وقد أرسل عشرات الرسائل إلى مختلف مؤسسات الدولة وإلى الشيوخ والوجهاء منذ العام 1997 وحتى 2008 على أمل أن تتم مساعدته وإعادته وتخليصه من مأساة وجد نفسه في بطنها من دون أن يكون له فيها قرار ومن بعد أن جف الأمل من استجابة الجمعيات والمؤسسات والصناديق الخيرية، فيما عدا صندوق مدينة حمد الذي تكفل بترميم صالة بيته، ونواب الخدمات لندائه واستغاثته، بل والمصيبة أنه اتصل من قبل بزملاء صحافة سابقون عرف عنهم مساعدتهم ومعاونتهم للناس على حل مشكلاتهم وقضاياهم وتباهيهم بذلك، إلا أنه وعلى رغم وافر الوعود والتباشير كان حاله ككل مرة من دون استجابة ومن دون أمل ومن دون تنفيذ كما لو أنه شكل وصوت ذاك الطنين الرتيب/ المرعب في جهاز القلب في حال توقف النبض!
ومنذ تلك الفترة التي نشرنا فيها عن مأساته في مقالنا سالف الذكر وحتى آخر اتصال لي معه أفضى لي من خلاله أن الراتب التقاعدي المتدني حتى آخر حد لم يعد يعنيه الآن بعد أن اعتاد أن يعيش وعائلته على «الحضيض» ويسير أموره على المنوال ذاته، ولكن الأهم له هو أن يجد مساعدة تمنحه القدرة على الاستقرار والسير بكلتى قدميه ليسدد ديونه المتراكمة على سبل ومسالك معيشته وأن يتخلص من دوامة الإذلال والملاحقة والاحتجازات الدورية وهي تحول حتى بينه وبين أن يضع لقمة الإفطار في فمه وفي فم أبنائه في رمضان!
وعلى رغم الحجم الكبير من الإخفاق و خيبة الأمل في ديرة لا تخلو من الأيدي البيضاء والمعطاءة فإن المواطن البحريني محمود أحمد جاسم أفضى لي بأنه لم يبق له من أمل بعد الله تعالى إلا في استجابة وطمأنة تعيد الدفء لحياته من والد البحرينيين سمو رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه فهو الذي لطالما عرف بأياديه البيضاء والمعطاءة على أبنائه من المواطنين المحتاجين والمستحقين الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط دوامة من المصائب وحصار خانق يبدو فيه نزع الكرامة والاعتبار الإنساني أبسط من نزع الملابس, ولاحول ولا قوة إلا بالله.
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ