لعلّ من الأمور التي لم يتوقعها أحدٌ من قبل هي أنْ تكون دولة قطر في مقدّمة المرشحين في منطقتنا للانتقال إلى مستوى متقدم في الاقتصاد المعرفي، وهو الاقتصاد الذي يعتمد على أركان أساسية وهي: مأسسة الإبداع، وتنمية بيئة للأعمال المعتمدة على الإبداع، وتوافر مؤسسات متطوّرة للتعليم، وبنية الاتصالات والمعلومات.
وبحسب مؤشرات البنك الدولي للعام 2008، فإنّ قطر تحتل المرتبة الثالثة عربيا في الاقتصاد المعرفي، وتحتل البحرين المرتبة الرابعة (الإمارات في المرتبة الأولى والكويت في المرتبة الثانية). ولكن مع الترتيبات التي أعدتها قطر فإنها مرشحة للصعود إلى مرتبات عليا في السنوات المقبلة.
البحرين كانت العام 1995 (بحسب مؤشرات البنك الدولي) تحتل المرتبة الأولى عربيا بالنسبة لأهليتها للاقتصاد المعرفي، وحينها كانت قطر تحتل المرتبة الثالثة (الإمارات كانت الثانية والكويت كانت الرابعة). ماذا حدث بين العامين 1995 و2008؛ لكي تحافظ قطر على المرتبة الثالثة (وتستعد حاليا للصعود إلى الأعلى) بينما تهبط البحرين من المرتبة الأولى عربيا إلى الرابعة؟ الجواب أساسا في مأسسة الإبداع وتطوير التعليم، إذ قامت قطر بتأسيس «المدينة التعليمية»، ذلك لأنّ التحوّل نحو الاقتصاد المعرفي يتطلب وجود مؤسسات ومراكز علمية وبحثية تسهم في تنمية المعرفة (على مستوى عالمي) وذلك لقيادة عملية الإبداع والابتكار. وفي النصف الثاني من التسعينيات أسست قطر «المدينة التعليمية» التي تحتوي حاليا على أفضل الجامعات الأميركية المساهمة في الابتكارات، ونقلت صحيفة «الحياة» في عددها الصادر أمس عن ابتكار شجرة اصطناعية (باستخدام علم النانو- تكنولوجي) تتكون من ألياف تستطيع أداء مهمّات الشجر الطبيعي، وخصوصا امتصاص المياه وموادّ من التربة ورشحها خارجا، وأنّ هذا الابتكار أعلنت عنه جامعة «كورنيل» الأميركية التي أنشأت فرعا لها في «واحة العلوم» في قطر.
أمّا لدينا في البحرين فقد أفسحنا المجال لتأسيس جامعات خاصة بشكل تجاري، بعضها جيّد، ولكن بعضها مجرد دكاكين توزع الشهادات بحسب الطلب. وعلى رغم كلّ الضجات التي حدثت خلال الشهور الماضية بشأن مستوى التعليم الجامعي الخاص، فإننا مازلنا نراوح في مكاننا، وطبعا لانتوقع من هذه الجامعات المتكاثرة يوميا أنْ تنتج لنا ابتكارا عالميا واحدا. ربما ان «بوليتكنك البحرين» تكون باكورة للمؤسسات التعليمية الداعمة للاقتصاد المعرفي، ونأمل في وجود بيئة تشجع الابتكار وترفع اسم البحرين عاليا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ