هناك فارق كبير بين أن تشجع على عمل وبين أن تطالب باحترام القانون وعدم المساس بحريات الآخرين وتهديدها أو التعدي عليها، عندما يتحدث المرء عن ديوان الخدمة المدنية منتقدا تعميمهم الأخير «رقم 4 لسنة 2008 الصادر بتاريخ 20 يوليو/ تموز 2008 القاضي باتخاذ إجراءات صارمة ضد الموظفين الحكوميين في حال مخالفتهم للوائح والقوانين أو صدور أحكام قضائية ضدهم تتعلق بمشاركتهم في اعتصامات أو اجتماعات غير مرخصة» الذي من شأنه أن يعيد البلاد إلى ما قبل المشروع الإصلاحي وإلى دولة اللا قانون أو حسب ما يعرفه الممثل السوري الشهير دريد لحام «حارة كل من أيده إليه» لتصبح العملية خارجة عن السيطرة.
البحرين بلد الفصل بين السلطات، فالسلطة التنفيذية، وديوان الخدمة المدنية جزء منها ليس لها الحق في معاقبة المواطنين على أي فعل يقوم به إلا وفق صلاحياتها المناطة بها والتي لا تخرج عن تلك المرسومة في التشريعات الواضحة، وسلطة المحاسبة وفرض العقوبات أمر يعود إلى السلطة القضائية الحكم الفاصل بين الحاكم والمحكوم في مثل هذه الأمور.
الحريات العامة حق مكتسب أوجده عاهل البلاد من خلال تدشينه المشروع الإصلاحي، وبهذا الحق أصبح كل مواطن حرا في ما يقوم به بما لا يصطدم بحريات الآخرين، وإلا فإن على المتضرر اللجوء إلى القضاء كحكم فاصل في خلاف بين طرفين.
المرسوم رقم (35) للعام 2006 بشان أحكام ديوان الخدمة المدنية واضح وصريح، ولا يوجد به أي لبس أو مجال لتأويل، فقد أوضح القانون الواجبات المناطة بالموظف في القطاع العام والأعمال المحظورة، إذ أوجب القانون على الموظف أن يؤدي العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن يحافظ على كرامة وظيفته ويكون سلوكه متفقا مع التقاليد والاحترام الواجب لآداب وشرف وظيفته، وأن يكون في عمله متعاونا مع زملائه وأن يعامل الجمهور معاملة لائقة مع إنجاز مصالحه في الوقت المناسب، كما فرض القانون على الموظف أن يستجيب لبرامج التدريب والتطوير التي تعدها الجهة الحكومية التي يعمل بها، وأن يسعى دائما لتطوير مهاراته وقدراته ذاتيا للارتقاء بمستوى أدائه الوظيفي، كما طالبه بالمحافظة على ممتلكات وأموال الجهة الحكومية التي يعمل بها، وتنفيذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة وذلك في حدود القوانين واللوائح المعمول بها.
هذه هي واجبات الموظف التي لم يأتِ ضمنها أي طلب بعدم المشاركة في مسيرات أو اعتصامات مرخصة أو غير مرخصة، إذ إن القانون لم يتدخل في حياة الإنسان العادية وتوجهاته، ومعتقداته، وانتماءاته.
قانون الخدمة المدنية أورد أيضا جملة من المحظورات التي لم يذكر فيها عدم المشاركة في المسيرات والاعتصامات ومنها على سبيل المثال عدم مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين، عدم مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في قانون الموازنة العامة واللوائح والقرارات الصادرة تنفيذا له وجميع القواعد المالية، عدم مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية واللوائح والقرارات الصادرة تنفيذا له، عدم الإدلاء بأي تصريح أو بيان باسم الجهة الحكومية التي يعمل، بالإضافة إلى جملة من المحظورات ذات العلاقة بالوظيفة الحكومية المباشرة وليس حياة المواطن والموظف العامة.
تعميم ديوان الخدمة المدنية تدخل في حياة المواطن العادية والتي ليس من حق أحد التدخل فيها أيا كان، بشرط ألا تضر أحدا، إذا وجد المتضرر فعليه بالقضاء، فالمشاركة في المسيرات والاعتصامات سواء كانت مرخصة أو غير مرخصة أمر شخصي وهناك جهات منوط بها القيام بمحاسبة المخالفين في ذلك وهي وزارة الداخلية التي أعطاها القانون صلاحية ذلك وليس ديوان الخدمة المدنية.
هناك مواد واضحة في قانون الخدمة المدنية لا يمكن أبدا التلاعب فيها، تناقش مسألة معاقبة الموظف في حال صدر بحقه حكم قضائي ومنها:
المادة (62): «كل موظف يحبس احتياطيا يعتبر موقوفا عن عمله مدة حبسه ويوقف صرف نصف راتبه، وبعد انتهاء الحبس يصرف له ما سبق إيقافه إذا حفظ التحقيق أو حكم ببراءته».
المادة (63): «كل موظف يحبس تنفيذا لحكم قضائي يعتبر موقوفا عن عمله ويحرم من راتبه ويجوز صرف راتبه لأسرته التي يعيلها إذا زادت فترة الحبس عن ثلاث أشهر على أن يقتطع من مستحقاته التقاعدية عند تقاعده. ويجوز إعادته إلى عمله بعد انقضاء المدة مع عدم الإخلال بالمسئولية التأديبية عند الاقتضاء».
المادة (64): «إذا وجهت للموظف تهمة جنائية فلا يجوز مساءلته تأديبيا فيما يتعلق بأي عنصر من عناصر التهمة الجنائية إلا بعد صدور أمر أو حكم فيها، ولا يمنع صدور أمر بحفظ التحقيق أو الحكم بالبراءة من المساءلة التأديبية إذا توافرت أسبابها».
في النهاية أليس هذا القانون الذي يجب أن يحترمه ديوان الخدمة المدنية، وأن يطبقه بحيث لا يعاقب أي موظف عام على عمل أو نشاط قام به خارج دوامه الرسمي ما لم يحاسبه القضاء فيه.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ