العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ

حملات مكافحة التدخين

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين الحين والآخر تهب علينا في البحرين، ومعنا بالطبع سائر الدول العربية الأخرى، رياح موسمية هي رياح «الحملات»، والتي هي عبارة عن تخصيص فترة زمنية معينة: أسبوع، وفي بعض أحيان يوم لمكافحة مرض معين، فيزيائيا كان أم اجتماعيا.

من بين تلك الرياح على سبيل المثال: حملات مكافحة المخدرات، أو التوعية المرورية، أو التوعية بمرض معين مثل السرطان، وأكثر تلك الرياح هبوبا هي تلك التي تخصص لمكافحة التدخين.

غالبا ما تأخذ هذه الحملات أسلوب الوعظ الممل الذي لم تعد تقلص من موجات الضجر التي تسيطر على المواطن خلالها تحسين صورته أو أشكاله ببعض الرتوش التي توفرها التقنيات المتقدمة من ملصقات أو مواقع على الإنترنت... وما شابه.

ضجيج تلك الحملات يتلاشى قبل انتهاء الفترة المحددة لها، وليس هناك من حاجة للبحث عن الأسباب، فكل ما هو مؤقت تكون تأثيراته مؤقتة، وكل ما هو آني غير قائم على دراسات علمية مصدرها معلومات ميدانية جمعت بشكل صحيح وفي إطار توعوي مدروس تتبخر قدراتها التأثيرية، في أحيان كثيرة، قبل وصولها إلى المجتمع الذي تخاطبه.

سيطرت علي هذه الأفكار وأنا أتصفح دراسة نشرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية (http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_7530000/7530807.stm ) ، قام بها باحثون من جامعة هارفارد، كشفوا من خلالها «إن المتزوجين من مدخنات أو العكس هم أكثر عرضة للإصابة بجلطة حتى لو لم يكونوا أنفسهم مدخنين، (وقد) درس فريق البحث من جامعة هارفارد السجلات الطبية لأكثر من 16 ألف حالة ...وخلصت مجلة «الطب الوقائي» الأمريكية إلى أن خطر التعرض لجلطة يرتفع بنسبة 72 في المئة بالنسبة إلى بعض غير المدخنين، وخلصت الدراسة إلى أن غير المدخنين الذين يعيشون تحت سقف واحد مع شركائهم المدخنين أكثر عرضة بكثير إلى خطر التعرض لجلطة وذلك بعد تعديل نتائج البحث لتأخذ في الحسبان عوامل أخرى يمكن أن تؤثر في احتمالات الإصابة بالجلطة».

هذا السبب وحده كافيا كي يجعل من التدخين عدوا ينبغي محاربته، فما بالك عندما تلسعنا معدلات ونسب انتشاره على نطاق العالم، وعلى وجه الخصوص في الدول النامية، إذ يحذر تقرير صادر من منظمة الصحة العالمية في العام 2005 من أن عدد المدخنين في ذلك العام قد وصل إلى ما يربو على 1.3 مليار شخص من بينهم 800 مليون في الدول النامية ومن المتوقع أن يصل بعد 20عاما إلى نحو1.7 مليار شخص. ومن الحقائق المؤكدة هو أن هناك أكثر من 3 ملايين شاب أعمارهم دون 18سنة، يدخنون نصف مليار سيجارة سنويا نصفهم مدمنين للتدخين.

وحسبما ورد في العديد من الدراسات ( http://arabic.bayynat.org.lb/nachratbayynat/akhbar/akhbar264_1.htm ) «يتسبب التدخين سنويا بوفاة نحو 3.500 شخص إذ أنه يسبب نحو 40 في المئة من حالات السرطان منذ العام 1950».

تلك الإحصاءات تتكلم عن المضار الصحية والاجتماعية، أما على الصعيد المالي، فقد ذكرت دراسة قام بها علماء بوسنيون بالتعاون مع منظمات صحية إقليمية ودولية (http://www.aleppostudents.com/print.php?page=mysub&id=1620 ) أن «التكلفة المادية للتدخين مرتفعة حيث ضربت مثلا بصربيا التي يصل عدد سكانها إلى سبعة ملايين نسمة وتبلغ كلفة التدخين نحو 5.3 ملايين يورو يوميا ونحو 3001 مليار يورو سنويا.‏

وفي لبنان، ينفق اللبنانيون نحو 400 مليون دولار سنويا على التدخين من ضمنها نحو 60 مليون دولار على الدخان والتبغ المهرّب، إذ تقدر نسبة السجائر المهربة بنحو 14-16 في المئة من الكميات المستهلكة.

مجموعة أخرى من الدراسات قام بها أساتذة جامعيون ( http://www.ojqji.net/vb/showpost.php?p=282255&postcount=1 ) تكشف الأكلاف الباهضة للتدخين. فدراسة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر حسين شحاتة تؤكد «أن العالم الإسلامي ينفق سنويا على المخدرات والتدخين 150 بليون دولار». وتقرير آخر يعود تاريخه إلى العام 2004 يشير إلى أن «مواطني دول التعاون الخليجي ينفقون ما يقرب من 800 مليون دولار على استهلاك التبغ سنويا، وتنفق مصر 454 مليون دولار سنويا لعلاج الأمراض الناجمة عن التدخين، بينما تنفق دولة مثل المغرب على التدخين ما يفوق إنفاقها على التعليم». دراسة أخرى قام بها الأستاذ المساعد بكلية العلوم الإدارية والتخطيط بجامعة الملك فيصل حسن حزوري وجدت أن «تكلفة الإنفاق على التدخين في السعودية تساوي 98.3 في المئة من تكلفة المشاريع الجديدة المعتمدة لقطاع التعليم، والتي تكفي لبناء ألفا و420 مدرسة جديدة مع كامل تجهيزاتها وإنشاء 42 كلية جديدة في الجامعات بكل ما تحتاجه».

هذه الأرقام تؤكد أن محاربة عادات سيئة مثل التدخين أو الإدمان على المخدرات لا تكنسها «الحملات الموسمية»، ولا يمكن أن تقتلع جذورها «الأسابيع الدورية»، هي بحاجة إلى ما هو أعمق من ذلك وأكثر شمولية مما نراه ... هي، بهذا المعنى، بحاجة إلى نظام متكامل يبدأ بالمناهج المدرسية، ويتسع كي يبلغ برامج الجمعيات الأهلية والمدنية، ويرقى كي يتحول إلى قوانين صارمة متلك التي تكافح الجريمة.

ولا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أنه دعوة سلبية لإيقاف ما هو قائم الآن، والذي تشكر جهود القائمين عليه، فبعض الشيء خير من عدمه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً