العدد 2217 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ

تجربة غنية من 72 ساعة هندية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما ينشغل العالم بقضايا تحرير السواح الألمان والطليان الذين اختطفوا من مصر قبل أحد عشر يوما، تتفق الهند وروسيا على تمديد فترة برنامج التعاون العسكري بينهما التي تنتهي في العام 2010 لمدة 10 سنوات أخرى - أي إلى العام 2020.

وقال وزير الدفاع الروسي اناتولي سيرديوكوف في مؤتمر صحافي عقد في ختام اجتماع اللجنة الحكومية الروسية الهندية المشتركة للتعاون العسكري التقني في نيودلهي، إن الجانب الروسي حمل معه مسودة الاتفاقية الجديدة لـ10 سنوات أخرى.

وقبل 24 ساعة من الإعلان عن ذلك القرار الهندي - الروسي، اقر مجلس النواب الأميركي الاتفاقية النووية المدنية بين الهند والولايات المتحدة والتي تنهي ثلاثة عقود من حظر التجارة في القطاع النووي المدني مع نيودلهي. وتسمح الاتفاقية التي وقعها الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في تموز/ يوليو 2008، للهند بالحصول على تكنولوجيا نووية غربية وطاقة نووية بسعر بخس، شرط أن تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش بعض منشآتها.

وبعد ذلك بيوم واحد فقط يتعهد رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بتعميق الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع فرنسا في المجال النووي المدني وذلك خلال قمة أوروبية - هندية جمعته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي يسبق الصين على لائحة شركاء الهند تجاريا عبر تبادلات سلع وخدمات بلغت قيمتها 60 مليار يورو العام المنصرم، فإن العملاق الآسيوي لايزال الشريك التجاري التاسع للاتحاد الأوروبي.

وكانت القيادة الهندية قد أعلنت حينها أنه يمكن للشركات الفرنسية أن توقع عقودا بقيمة عشرين مليار يورو على مدى 15 عاما في المجال النووي المدني في الهند. وأعلنت مجموعة «أريفا» الفرنسية، أنها تأمل التفاوض مع الهند لتزويدها بمفاعلين نوويين من الجيل الثالث من طراز «آي بي آر»، وذلك في حال التوصل الى اتفاق بين البلدين.

وخلال الـ72 الساعة الأخيرة من شهر سبتمبر/ أيلول 2008 نجحت الدبلوماسية الهندية في التوصل إلى اتفاقيات عسكرية ومدنية في مجال الطاقة النووية مع ثلاث عواصم هي: موسكو، وباريس، وواشنطن.

الملفت للنظر هنا أن السياسة الهندية المتوازنة ذات الأهداف المحددة نجحت في المحافظة على علاقات جيدة مع أقطاب العالم المتنافسة أو المتصارعة، حتى في أوج أيام الحرب الباردة، عندما كان التسابق على الأسواق العالمية، والنفوذ على مختلف الكتل الإقليمية على أشده بين واشنطن وموسكو.

فمن جهة، طبقت الهند نظاما رأسماليا ليبرايا حرا على المستويين السياسي والاقتصادي تسوده اللامركزية التي تسيرها آليات السوق، واستطاعت من خلال ذلك مد جسور متينة مع دول المعسكر الرأسمالي التي استفادت من التقدم التقني الذي تتمتع به صناعاتها، وانتهى بها الأمر إلى أن تكون أكبر مصنع لما يسمى بنظام العهدة (Outsourcing)، ترافق ذلك مع تطور ملحوظ شهدته صناعة تقنيات المعلومات والاتصالات الهندية عبرت عنها تلك المؤسسات التي اتخذت من وادي بنغلور مقرا لها.

ومن جهة ثانية، توجهت مومبي إلى الكتلة الشرقية قبل تفككها، فاستفادت من كل مميزات الاقتصاد المركزي الموجه، الذي يتيح للدولة التدخل العقلاني لدفع عجلة التطور من خلال دعم وتشجيع مؤسسات القطاع الخاص العملاقة، مع الحفاظ على سلامة وضمان تشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وعدم تهميش الطبقات المتوسطة التي تملكها أو تسيرها. وترافق ذلك مع تطوير علاقات متينة في المجالات العسكرية مع دول الكتلة الاشتراكية. وانعكس ذلك سياسيا على ترؤس الهند لحركة عدم الانحياز التي كانت نواتها دول مؤتمر باندونغ، وزعامتها المتواصلة لحركة السلم العالمية من خلال مؤسسات السلم والتضامن مع الشعوب.

وكلتا المؤسستين (عدم الانحياز والسلم والتضامن)، كانتا تحظيان بتعاطف ودعم دول الكتلة الاشتراكية التابعة لموسكو، الأمر الذي انعكس إيجابيا على العلاقات الهندية السوفياتية، وتجسد في اتفاقيات مؤسسات عسكرية تجني الهند اليوم ثمار بنائها.

بهذه الخطوات الرصينة أقنعت الهند المتصارعين في حلبة النفوذ العالمية، أنها الصديق الحميم لأي منهم، لكنها لم تكتف بتبادل المصلحة السياسية فحسب، بل ترجمت ذلك إلى مشاريع ومؤسسات اقتصادية ومالية تخدم، كل جزء منها على حدة ولكن في إطار تكاملي، مصالح كل طرف من الأطراف المتصارعة تلك.

لذلك تكثفت في تلك الـ72 ساعة الجهود الهندية التي بدأت بعد الحرب الكونية الثانية وفي أعقاب استقلال الهند في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. وتمخض كل ذلك عن اتفاقيات بمليارات الدولارات تعتبر الهند المستفيد الأكبر من صفقاتها.

مقابل هذه التجربة الهندية تصدمنا التجربة العربية الفاشلة التي لم تنجح على رغم التنازلات التي قدمتها، وهي في سياق التحالفات التي حاولت نسجها مع القوى العالمية خلال الخمسين سنة الماضية، فإنها جميعا كانت محصلتها ليست في صالح الدول العربية على المستويين الاقتصادي والسياسي، وفي أحيان كثيرة كانت نتائجها سلبية، وعلى وجه الخصوص في جانبها السياسي.

وفيما جرى ولايزال يدور على الساحة الفلسطينية الكثير من العبر في هذا الاتجاه

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2217 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً