العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ

عيد... بأية حال!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يمرّ العيد على كثير من المسلمين في شتى بقاع الأرض ولا يتغير اسمه من بقعة إلى أخرى، لكن نظرة الناس له تختلف من مكان إلى آخر، بل ومن شخص إلى آخر.

وكلما جاء عيد تذكرت أبيات صاحبنا (المتنبي) التي قالها في هجاء كافور ذلك الرَّجل الطيب الذي ظلمه المتنبي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وسيبقى ذكر كافور مرتبطا بقصيدة المتنبي الشهيرة التي خسفت كافور وأبقته سيئ الذكر. يقول المتنبي في مطلع قصيدته:

عيد بأية حال عدتَّ يا عيد

بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ

أمَّا الأحبة فالبيداء دونهم

فليت دونك بيدا دونها بيدُ

فالمتنبي لم يشعر بحلاوة العيد، ولا بفرحته لأنه كان بعيدا عن أحبته ويعيش في سجن كبير اسمه «مصر» عند حاكم لم يعطِه ما كان يتمناه، ولهذا كان ينظر إلى العيد نظرة كلها تشاؤم ويأس.

حالة المتنبي تتكرر عند كثير من الناس لا يجدون للعيد أي طعم، بل قد يجدونه همّا ثقيلا على نفوسهم، إنه يريد منهم أشياء يعجزون عن تحقيقها! الفقراء الذين لا يجدون إمكانية لشراء أبسط متطلبات العيد ويرون سواهم يرفلون بأغلى الملابس ويستمتعون بأحسن الأطعمة، ويقضون أعيادهم في أغلى الأمكنة، هؤلاء يصعب عليهم الفرح في العيد، بل أحسبهم يتمنون أنه لم يكن موجودا حتى لا يفضحهم، وحتى لا يسيء إليهم وإلى أبنائهم.

الذين يقضون أعيادهم في السجون - خاصة المظلومين - يستحيل عليهم الإحساس بطعم العيد وبهجته، إن الفرج المنتظر أغلى عليهم من كل شيء آخر.

والفلسطينيون الذين يعيشون في أكبر سجن في العالم اسمه «غزة» لا يملكون أدوات الفرح التي يريدها العيد، كيف لهم أن يفرحوا والموت يحيط بهم من كل جانب، بل يعيش معهم كواحد منهم، والمرض يفعل فعله في أبنائهم وشيوخهم فيحيلهم إلى أشباح هم أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة.

كيف يفرحون وهم لا يجدون لقمة العيش فضلا عن إمكانية وجود الملابس والأطعمة التي تليق بمناسبة يجب أن يفرح فيها كل الناس.

المآسي التي تحيط بالمسلمين عامة - وبغيرهم أيضا - مثل الفقر، والاقتصاد المتهالك، والخوف من حروب تنشب هنا أو هناك، كل ذلك يجعل الفرح عسيرا على النفس، فللفرح أوقات وظروف لا يتأتى إلا بها ومعها.

ولكن هناك آخرين يملكون كل مقومات الفرح وهؤلاء يبحثون عن المتع بكل أنواعها، وهؤلاء يجدون في العيد فرصة طيبة لإظهار قدراتهم على التمتع بكل مباهج الحياة.

وهناك أناس متفائلون مهما تكن الأخطار أو المآسي التي يرونها في حياتهم، فهؤلاء يحاولون الاستمتاع بمناسبة العيد أسوة بسواهم، والتفاؤل صفة حميدة ونادرة، ولكن من يقدر عليها!

العيد مناسبة للفرح، ومناسبة للتفاؤل، ومناسبة لإصلاح الخلل الذي يعاني منه المجتمع، بل هو مناسبة لإظهار قوة المجتمع وتماسكه، وقوة الروابط الإنسانية بين جميع أبنائه.

الفرح والأمل بمستقبل أفضل من سمات الدين الإسلامي الذي يحارب اليأس والقنوط: «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» (يوسف: 87) فالمؤمن متفائل دائما، مبتسم دائما، يعمل بجد واجتهاد على إصلاح كل خلل في مجتمعه ودائما.

المسلمون كالجسد الواحد - هكذا يجب أن يكونوا - وفي العيد يجب أن يتحقق هذا المعنى - قولا وعملا - فالدول عليها واجب تجاه فقرائها طيلة العام وخاصة في العيد، وللقادرين من الأغنياء أن يقوموا بدورهم تجاه المحتاجين من أبناء وطنهم، وأن يحاولوا إشعارهم بفرحة العيد وبهجته.

وعلى الدول الإسلامية أن تقوم بواجبها كاملا تجاه إخوانهم في غزة، عليهم أن يخرجوهم من سجنهم الكبير مهما يكن الثمن، وبعد ذلك عليهم تحرير مسجدهم الأقصى ومسرى نبيهم الكريم من سجنه الذي طال كثيرا. فلا يصح أن يبقى المسجد الأقصى المبارك في أسر اليهود أكثر مما بقي، ولا يصح أن يطول الصمت أكثر مما طال.

وعلى أجهزة الإعلام أن تدخل الفرح المباح على نفوس المسلمين ومثلها الجهات الخاصة المنتشرة في كل بلد مسلم، أما هز الوسط - وما في حكمه - مما كثر الإعلان عنه فلا أعتقد أنه يليق بمجتمع مسلم تكثر فيه الأزمات من كل نوع، كما أنه يخالف أبسط قواعد الإسلام ولاسيما أن المسلمين أنهوا للتو عبادة مقدسة ينتظرون أجرها، فهل الرقص والغناء الماجن يليق بشكر الرب؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً