العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ

لا إصلاح سياسيا دون الحزب الحاكم

مازال الحديث في اليمن قائما عن مشروعية الديمقراطية وصحة وجود تعددية سياسية تسمح بتداول السلطة... المعارضة التي اصطفت من جديد في مواجهة الحزب الحاكم تتهم النظام بخلق «معارضة من صنعه» بحيث يحتكر تسمية المرشح القادم للرئاسة.

والسؤال الدائم هل في اليمن ديمقراطية حقيقية، كما يشاع، أم أن «الديمقراطية القبلية» هي السائدة كما في معظم البلدان العربية ذات النهج الديمقراطي المماثل؟

إشكالية الديمقراطية والحكم كما هي في الأدبيات السياسية القائمة تكمن بصعوبة التمييز بين السلطة والحزب الحاكم كما يشرح قاسم داوود عن الحزب الاشتراكي اليمني المعارض، فالسلطة تدخل بكل ثقلها وأدواتها وأجهزتها في العملية السياسية فهي اللاعب الأساسي وليس الحزب الحاكم!

ماذا في اليمن اليوم؟

هناك ملفات عالقة ومأزومة البعض منها وصل إلى حد الاحتقان الذي قد ينفجر في أية لحظة ولعل أقرب مثال على ذلك ما يحدث في الجنوب، فالزائر لمدينة عدن إذا عرف أنه قادم من الشمال سيسمع كلاما لن يسره على حد تعبير زعيم حزب رابطة أبناء اليمن المعارض عبدالرحمن الجفري، اعتقالات وتهميش من قبل صنعاء استئثار بالسلطة وبالثروة، استبعاد لقيادات الجنوب، قمع عنيف للتظاهرات، والناس صارت تطالب بحقوق مالية ووظيفية.

أما في صعدة فأحداث التقاتل هناك لاتزال ترخي بظلالها على الساحة السياسية وكل طرف يتهم الآخر بالتحريض وبالانفصال وبإثارة النزاعات المناطقية.

والقضية الخلافية الأكبر هي موضوع الانتخابات التشريعية القادمة في أبريل/ نيسان 2009 والتي عمقت الانقسامات وأظهرت مدى هشاشة العملية الديمقراطية في الدولة.

أهل اليمن سئموا الحروب، حروب الانفصال والضم والفتنة وإن كان التمني كما هي حال الممثل عن حزب البعث أشرف علي محمد أن تكون حرب 1994 آخر محطة للألم وبداية لإقامة نظام على أسس وطنية تهتم بإعادة مؤسسة الدولة العسكرية والقضائية، لكن ثقافة الفساد هي التي استحوذت على عقلية الحزب الحاكم واختارت طريقة القبيلة والعشيرة ليستمر النظام في ممارسة سياسة الإلحاق والتهميش والإلغاء وخاصة في الجنوب حيث الاستبعاد من الوظائف السيادية والمؤسسات الأمنية والعسكرية.

وكعادة أهل «القبائل الديمقراطيين» تظهر المعارضة بثوب الإصلاح والتغيير والحزب الحاكم بثوب الدفاع عن الثوابت الوطنية وحماية إنجازات الثورة تحت أي مبررات أو عناوين... فاللقاء المشترك (أحزاب المعارضة) ترفع شعار عدم مقاطعة الانتخابات لكن بشروطها وليس بشروط الحزب الحاكم، فقد اتفقوا على مصطلح التحاور بدلا عن الحوار ثم استبدلوه بالتشاور وعندما رأوا أن المصطلح لم يعد ذا شأن اختاروا مصطلح التواصل.

المعارضة أعادت تجميع الأضداد في مشروع إنقاذ وطني من أجل تعزيز النهج الديمقراطي وتجسيدا لمبدأ التداول السلمي للسلطة والحزب الحاكم يوجه سهامه لمصداقيتها ويتهمها في عقر دارها بأنها تثير الأعمال المناطقية وتحرض على الانفصال وتساعد بالتورط بتغذية فتنة صعدة.

التحالفات سيدة اللعبة الحالية والحزب الحاكم أقدم على تحالف سياسي وحزبي ضم نحو 15 حزبا سياسيا اعتبرته المعارضة عملا سياسيا انتهازيا لأن السلطة تستخدم تلك التجمعات كـ «ديكور» وكجسر للعبور إلى يوم الاقتراع لتجميل صورتها الديمقراطية وتحقيق أهدافها باكتساح مجلس النواب والفوز بالرئاسة وبالسلطة معا.

والاثنان المعارضة والسلطة لا سبيل لهما سوى الدخول في الانتخابات والعملية السياسية، فلا المعارضة تستطيع أن تقاطع حتى لا تعزل نفسها عن العملية الديمقراطية ولا الحزب الحاكم قادر على خوض الانتخابات بمفرده حتى لا يشوه صورته أمام المجتمع الدولي والتزاماته تجاه الاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية ويظهر بمظهر المحتكر للسلطة والبعيد عن الممارسة الديمقراطية كما يشير إلى ذلك رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن.

المراقبون الدوليون والمطلعون على ملفات اليمن الساخنة يضعون الصراع القائم في صورة مشروعين؛ مشروع السلطة والحزب الحاكم الذي ينزع نحو إعادة إنتاج نفسه وتجديد مشروعيته السياسية خلال الانتخابات وبأدوات الدولة وإمكانياتها ومشروع المعارضة التي تطمح للتغيير والعمل على إيجاد قدر من التوازن السياسي وإجراء إصلاحات وطنية حقيقية وتداول للسلطة وإشراك القوى السياسية بالقرار السياسي وبالحكم.

الكل يجمع على ضرورة الإصلاح والتغيير وأن اليمن بحاجة إلى حوار وطني يصحح مسيرة الوحدة والعملية السياسية الفاسدة والمهترئة لكن من يملك قرار التغيير؟

عبدالرحمن الجفري، صاحب الخبرة الطويلة في معارضة المنفى يعتقد أن «معظم أوراق التغيير، إذا كان تغييرا سلميا وبأقل كلفة ممكنة، هو الرئيس على عبدالله صالح ومن خلال حزب المؤتمر».!

عيب الحياة السياسية في اليمن أن السلطة هي التي تصنع الديمقراطية وتفصلها على مقاسها، وعيب المعارضة أنها تدخل بإزار المزايدات دون تقديم البديل في صورة الإنقاذ الوطني وبتحالفات موسمية للوقوف بوجه الحزب الحاكم دون أن تتخطى هذه العقدة وتتوسع نحو قواعد شعبية وحتى قبلية، فالديكور الديمقراطي غلاف ظاهري لم يتبدل من الداخل بعد ومازال يحتاج إلى تنقية وتصفية وبأدوات تغيير سلمية تنطلق من البيئة اليمنية؟

انتخابات قادمة والكل يراهن على التغيير؟ والتحالفات تأخذ مداها والساحة السياسية تضج بالمواجهات على أمل أن يحدث شيء ما في تركيبة مجلس النواب وعلى صعيد الحكم.

نسينا أن نسأل ماذا عن التزوير والنزاهة في الانتخابات القادمة؟ وماذا عن توصيات الاتحاد الأوروبي التي التزم بها اليمن بعد انتخابات 2006 والتي أدت إلى فوز حزب المؤتمر بغالبية المقاعد؟

رهان على الانتخابات وهروب من مواجهة الاستحقاقات والقادم من الأيام سيحمل المفاجآت أو ربما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟

العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً