يعد الإسلام أحد الديانات الرئيسية في الصين منذ قدومه في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان كما يروي المسلمون الصينيون في مؤلفاتهم.
وقد أشارت الإحصاءات الصينية منذ الخمسينيات من القرن الماضي إلى أن عدد المسلمين نحو 20 مليون نسمة ولاتزال معظم الإحصاءات والأرقام الرسمية تشير إلى هذا الرقم. ولاشك أن هذا من الأمور التي تحتاج إلى إعادة نظر إذ إن الأرقام غير الرسمية من المصادر الأوروبية والأميركية والأسترالية تشير إلى أن هذا العدد يتراوح ما بين 70 و100 مليون نسمة.
ولكن في تقديرنا أن المهم ليس العدد ولكن المضمون. فمن المعروف أن الصين الشيوعية قامت على أساس مبدأ رفض الدين كأساس في بناء المجتمع والنظر سلبيّا له وللمؤمنين به، وهذا ليس قاصرا على الإسلام بل شاملا الأديان كافة بما في ذلك المسيحية واليهودية والتاوية والبوذية وغيرها، ولكن على رغم هذا فقد حافظت الصين على المعابد والمساجد باعتبارها تراثا ثقافيّا، ولم يتعرض للتدمير سوى قلة من تلك الأماكن المقدسة في مرحلة الثورة الثقافية الكبرى ما بين 1966 و 1976 وكانت هذه ظاهرة عامة ليس فقط بالنسبة إلى الأديان، وإنما بالنسبة إلى التراث الثقافي بوجه عام.
ولكن بعد انتهاء الثورة الثقافية وانتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح العام 1978 اتجهت الحالة إلى الانفراج بالنسبة إلى جميع الأديان بما في ذلك الدين الإسلامي، وتم ترميم عدد من المساجد التي كانت مهجورة، وتنظيم وزارة لشئون القوميات (الأقليات الدينية والعرقية ونحو ذلك) وكانت الشئون الإسلامية في إطار عمل تلك الوزارة ولم نلمس أي تمييز خاص موجه ضد المسلمين، وإنما معاملة متساوية تقوم على ركائز محددة، منها إشراف الوزارة على الشئون الدينية والقائمين عليها وعلى المؤسسات الدينية، وهو إشراف إداري السياسية، فهذه سياسة الدولة العلمانية المدنية الموحدة ويتساوى في ذلك الإسلام مع غيره من العقائد السماوية وغير السماوية في هذا المجال.
وهنا ينبغي أن نشيد بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لدوره في الاهتمام بقضايا المسلمين في بلاد المهجر وفي الوقت نفسه فإنني أتمنى ألا تقع الهيئة في الفخاخ المنصوبة لها خاصة والمسلمين عامة من جانب بعض ذوي النزعات الانفصالية أو الممارسات التي تتسم بالعنف والإرهاب في الصين أو غيرها من الدول فلا يخفى على أحد وجود مبادئ أساسية للحياة السياسية المعاصرة وفي مقدمة تلك المبادئ ما يأتي:
الأول: إن الغالبية العظمى من النظم السياسية المعاصرة في الشرق أو الغرب تقوم على مبدأ الدولة المدنية أي حيادية الدولة تجاه الدين. ولا يخفى على أحد أن كثيرا من علماء المسلمين القدامى والمحدثين عبّروا عن مفهوم الدولة المدنية، ومن هؤلاء عبدالمعطي بيومي وله كتاب بعنوان: «الدولة المدنية» ويرى أن دولة الإسلام هي دولة مدنية. ومن وجهة نظر عدد من الباحثين أن أول دستور دولة المدنية في عهد الرسول الكريم كان دستورا مدنيّا لأنه لم يفرق بين المسلمين وغيرهم من ساكني المدينة على أساس مفهوم المواطنة المتساوية.
الثاني: إن الصين لم تكن قبل الشيوعية دولة إسلامية ولا في عهد الشيوعية وفي مرحلة الانفتاح، ولذلك فلا يجب النظر إليها على أنها ضد المسلمين، وإنما ستكون دائما ضد من يرغب في الانفصال، ويعمل من أجله، سواء كانوا مسلمين في سيتكيانغ أو كانوا بوذيين في التبت أو كانوا كونفوشيين أو تاويين في مكاو أو في تايوان الجميع سواء، سيادة الدولة والقانون لها الأولوية على ما عداها.
الثالث: من الضروري أن يأخذ علماء المسلمين في حسبانهم أن وضع الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية هو وضع خاص، ولهذا تحدث عدد من العلماء عن فقه مسلمي المهجر وفقه الأقليات، بمعنى الفقه الذي يخاطب ظروفا وأوضاعا خاصة بالمسلمين في الدول غير الإسلامية.
الرابع: إنه منذ حادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح المسلمون عرضة للاتهام بالإرهاب والتطرف، ولا ينبغي على علماء المسلمين من ذوي العقل والروية والبصيرة أن يدفعوا المسلمين دفعا لمفاهيم مثل محاربة الكفار والجهاد ضدهم ونحو ذلك. والمسلمون هم أقلية في بلاد غير إسلامية وأي سلوك خاطئ معاد للدولة التي يعيشون فيها سيدفع بهم إلى الهاوية في معركة غير متكافئة وغير مبررة من العقل أو المنطق أو الدين.
الخامس: إنه حتى في ظل ما أطلق عليه الخلافة فإن دولة الإسلام لم تقم حقيقة حتى في بلاد المسلمين، سواء في عصر الدولة العباسية أو الأموية قبلها، فقد حارب خليفة المسلمين أو بمعنى أدق حارب الحاكم كل من خرج عليه وعلى مذهبه، ويكفي أن نشير إلى حروب الطوائف والفرق الإسلامية ضد بعضها بعضا، فالمسألة ليست المذهب وليست الدين أيّا يكن الأمر.
فالحياة المعاصرة شديدة التعقيد والدولة الوطنية تضع الأولوية للوحدة الوطنية ووحدة أراضي الدولة قبل أي اعتبار آخر ومن ثم نخلص إلى أن مسألة الدين أصبحت مسألة في غاية التعقيد في اختلاطها بالسياسة، ولذلك أحسن العلماء المسلمون الأول عندما تبنوا مبدأ درء الفتنة، وقالوا سلطان غشوم ولا فتنة تدوم، وقالوا الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. فالمسلمون في الصين أو في الهند أو في الدول الأوروبية وغيرها هم قلة ضعيفة ويجب حمايتهم من أي انحراف، ونصحهم ضد أي تطرف أو تعصب، وإلا سيعانون الأمرين، وهذا ليس من الحكمة الدينية أو الحكمة الإسلامية أن نلقي بهم إلى التهلكة.
السادس: إن سينكيانغ في اسمها الجديد أو تركستان في اسمها القديم أصبحت منذ عشرات السنين جزءا لا يتجزأ من دولة الصين ولا مبرر للنبش في التاريخ، فالكثير من الدول قامت ثم زالت، ومن الحضارات سادت ثم بادت، والتركيز على القديم ليس إلا من عمل مجموعات قومية متطرفة ليس هدفها الدين وإنما هدفها السياسة، والدول القومية القوية لن تسمح لمثل تلك الجماعات بالافتئات على سيادتها، والكثير من حالات الدول خير شاهد على ذلك سواء في كشمير أو في نيجيريا أو حتى في بلغاريا في الماضي هذه النزعات الانفصالية لن تفيد كثيرا وضررها أكبر من نفعها وكوارثها أكبر من مزاياها.
السابع: إن السياسة الصينية الراهنة لا تتدخل في شئون الأقليات الدينية وممارساتها، وأنا شاهد على ذلك، وقد زرت مساجد المسلمين والتقيت العديد منهم من شمال الصين حتى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، تقوم السياسة الصينية على الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد الدينية وتعطي السلطة السياسية في كل إقليم حكما ذاتيّا للقومية أو بالأحرى الأقلية العرقية أو الدينية في ذلك الإقليم، وحكام سينكيانغ من قومية اليوجور وهم الغالبية المسلمة من أصول تركية وليسوا من قومية الهان التي تمثل أكثر من 90 في المئة من الشعب الصيني، ولكن الجميع يعمل في ظل مفاهيم الدولة المدنية وليس الدولة الدينية.
الثامن: إنني كمسلم ألمس أن الدول الإسلامية في معظمها وفي مقدمتها مصر ترفض مفهوم الدولة الدينية وسيطرة رجال الدين على السلطة السياسية فتلك مفاهيم ابتكرها بعض الفقهاء في الماضي، ولم تطبق سواء في عهد الخلفاء الراشدين أو في عهد الدولة الأموية أو العباسية والخلافة العثمانية. فالدولة في أساسها - كما عبّر عن ذلك العلامة ابن خلدون - تقوم على أساس الغلبة والسلطة، وليس على أساس الدين وإن استخدمت كل تلك الدول راية الخلافة لأغراض سياسية وتاريخ الإسلام خير شاهد على ذلك.
ومن هنا فإنني أتقدم بالنصيحة المخلصة ألا ننخدع في أية دولة إسلامية، أو أية جمعية أو اتحاد، حتى وإن كان اتحاد علماء المسلمين بتوجهات جماعات انفصالية متطرفة، فكل لها أهدافها السياسية، وكثيرا ما تم استخدام ذوي النوايا الطيبة لمآرب سياسية، وجميعا نتذكر كيف خدعت المخابرات المركزية الأميركية المجاهدين العرب في أفغانستان لضرب الاتحاد السوفياتي ثم عادت وتركتهم في العراء، ثم عندما لمست خطرهم ضربتهم، وكذلك فعلت دولهم في مصر والسعودية واليمن والجزائر وسورية والأردن وغيرها.
الإسلام مبادئ وقيم نبيلة، وعقيدة راسخة للمسلم، وليس سياسة، وليس دولة أو جماعة تسعى إلى الانفصال عن الدولة الأم. وانتهى عصر الفتوحات الإسلامية بانتهاء النبوة وبانتهاء الدولة الإسلامية القوية، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين عصر الدولة القومية التي ترفض انسحاب أو انفصال جزء منها تحت أية دعاوى دينية أو عرقية إلا إذا أكرهت على ذلك, أو كانت في حالة تفكك كما حدث في الاتحاد السوفياتي أو يوغوسلافيا السابقة أو غيرها. ولا ننسى أن الصين دولة صديقة للعرب وللمسلمين وليس من الحكمة الوقوع في فخ ينصب لإحداث شرخ في هذا التضامن تحت أي شعار أو مقولة خاصة ونحن ندرك أن استغلال الحماس الإسلامي من قبل أجهزة مخابرات عدة لضرب وحدة الصين وتدميرها وهي بدورها تدرك ذلك ولن تسمح به
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ