لايزال أداء البحرين غير مقنع فيما يخص محاربة الفساد في المعاملات الرسمية تماما كما تبين من تقرير مدركات الفساد للعام 2008 الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. فقد حلت البحرين في المرتبة رقم 43 عالميا في التقرير الأخير، ما يعني تحسن ترتيبها ثلاث مراتب مقارنة مع تقرير العام 2007. وقد جمعت البحرين 5,4 من النقاط على المؤشر المكون من 10 نقاط بزيادة 0,5 من النقاط مقارنة مع العام 2007. ويعود التحسن الجزئي إلى نجاح مجلس المناقصات في تعزيز الشفافية في منح المناقصات الحكومية مثل القدرة على تقديم عطاءات إليكترونيا.
وبمقدور البحرين تعزيز ترتيبها الدولي في حال تم إقرار بعض التشريعات الحيوية مثل الذمة المالية لمسئولي الدولة بدءا بالوزراء ومرورا بأعضاء المجلس التشريعي. وربما تساعد مثل هذه الخطوات في فرصة اللحاق ببعض الدول الإقليمية الأخرى وخصوصا قطر.
قطر الأولى عربيا
فيما يخص الدول المجاورة والمنافسة، حافظت قطر على المركز رقم 28 عالميا، ما يعني تحسين ترتيبها أربع مراتب عن العام 2007 (تعد هذه النتيجة الأفضل بين الدول العربية قاطبة). وقد نجحت قطر في جمع 6,5 من النقاط على المؤشر المكون من 10 نقاط، ما يعني زيادة غلتها بواقع 0,5 من النقاط مقارنة مع تقرير العام 2007.
بدورها، نالت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 35 عالميا، أي ثاني أفضل نتيجة بين دول مجلس التعاون والدول العربية. وعليه، واصلت الإمارات سلسلة تأخرها، بعد أن حلت في المرتبة 34 في تقرير العام 2007 فضلا عن 31 عالميا في تقرير العام 2006. وكانت الإمارات قد حظيت بالمرتبة الأولى خليجيا وعربيا في العام 2006 بحلولها في المركز 31 عالميا. بالمقابل، حققت عُمان قفزة نوعية في ترتيبها متقدمة 12 مرتبة في غضون سنة واحدة إلى المركز رقم 41 دوليا. من جهة أخرى، تراجع ترتيب الكويت 5 مراتب إلى المركز 65 عالميا. وبدورها، تأخرت السعودية مرتبة واحدة إلى المركز 80 دوليا.
مرتكزات التقرير
غطى تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2008 مستويات الشفافية في 180 بلدا في العالم، ما يعني عدم إضافة دول جديدة. واعتمد المؤشر على 13 استطلاعا ومسحا من تنفيذ مؤسسات عالمية من بينها وحدة المعلومات في مجموعة «الايكونومست» البريطانية والمنتدى الاقتصادي العالمي والمعهد الدولي للتنمية الإدارية ومركز التنافسية العالمي وبيت الحرية. وشملت عمليات الاستطلاع وجهات نظر رجال الأعمال والمقيمين الأجانب بخصوص مدى تقبل السياسيين وموظفي القطاع العام للرشا. وتشترط المنظمة توافر ثلاث دراسات على الأقل حتى يتم شمول أي بلد في التقرير. وتبين من التقرير استخدام 5 دراسات لتقييم أداء دول مجلس التعاون باستثناء قطر حيث تم الاعتماد على 4 مسوحات.
وتعرف منظمة الشفافية الدولية «الفساد» بأنه «سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية»، ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية. وتأسست في العام 1993 وتتخذ من برلين (ألمانيا) مقرا لها حيث تعمل على كبح جماح الفساد على مستوى العالم.
الدول الأوروبية في المقدمة
تتمتع الدول الاسكندنافية بأفضل سجل في محاربة مختلف أنواع الفساد في المعاملات الرسمية. فقد حلت كل من الدنمارك والسويد إضافة إلى نيوزيلندا في المرتبة الأولى عالميا في محاربة الفساد بالمعاملات الرسمية، إذ جمعت كل دولة 9,3 نقاط من أصل عشر نقاط على المقياس، لكن تم اعتبار الدنمارك في المرتبة الأولى بسبب أبجدية الحروف في اللغة الإنجليزية. وتشترك هذه الدول الثلاث بمحدودية إمكانية قبول أصحاب القرارات وخصوصا في الدوائر الرسمية لإغراءات الحصول على فوائد تجارية أو شخصية.
كما حلت أربع دول أوروبية أخرى وهي فنلندا وسويسرا وأيسلندا وهولندا في المراتب العشر الأولى. أما على مستوى قارة آسيا فكان شرف الدولة الأولى في محاربة الفساد من نصيب سنغافورة، إذ جمعت 9,2 نقاط على المقياس واستحقت بذلك المرتبة الرابعة دوليا أي ترتيب العام 2007 نفسه. وتشتهر سنغافورة بعدم إبداء أي نوع من الرحمة ضد المدانين في قضايا الفساد، إذ تصر السلطات على إيداع المفسدين السجن لفترة غير قصيرة لضمان عدم استفادتهم من الأموال التي حصلوا عليها بطريقة مشكوك في صحتها.
الإصلاح الإداري
تعتقد منظمة الشفافية الدولية، أن الإصلاح الإداري ضروري لأي دولة لم تسجل 7 من 10 نقاط على المقياس. وكشف تقرير العام 2008، أن 22 دولة فقط في العالم (من أصل 180 بلدا وإقليما) تمكنت من جمع 7 نقاط أو أكثر. لم تحظَ أي من دول مجلس التعاون الخليجي بشرف الانضمام لنادي الكبار في محاربة الفساد المالي والإداري (جمعت قطر 6،5 من النقاط). وكما أشرنا، جمعت البحرين 5،4 من النقاط، ما يعني أنها بحاجة إلى قطع أشواط في عملية الإصلاح الإداري والمالي في البلاد. والمطلوب محاربة ظاهرة تفشي الرشا في بعض المعاملات الرسمية بغية الحصول على الخدمات المطلوبة مثل الكهرباء أو التأشيرات.
ومن جملة الأمور التي تطالب بها منظمة الشفافية الدولية إلزام الحكومات نفسها بنشر إحصاءات دورية من دون تدخل من السلطات للتأثير على الأرقام أو تاريخ النشر لأغراض سياسية. ويشار إلى أن المستثمرين الدوليين يعتمدون جزئيا على تقرير منظمة الشفافية كمتغير أثناء اتخاذ قرارات الاستثمار في الدول.
الأمر المؤكد هو أن مسألة الشفافية في المعاملات بشكل عام باتت مهمة أكثر من أي وقت مضى، إذ أكدت الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت بمؤسسات استثمارية مرموقة في الولايات المتحدة، أهمية نشر إحصاءات وأرقام صحيحة في كل الظروف لتفادي خسائر ضخمة
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ