انتقلت الأزمة المالية الأميركية إلى أوروبا، إذ يجري سباق مع الوقت على أعلى المستويات السياسية من اجل إنقاذ المصرف البلجيكي الهولندي فورتيس، فيما أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستؤمم مصرف القروض العقارية البريطاني «برادفورد اند بينغلي».
وفيما توصل القادة الجمهوريون والديمقرطيون في الكونغرس الأميركي ليل أمس الأول (الأحد) أمس (الاثنين) إلى اتفاقية بشأن خطة تاريخية بقيمة 700 مليار دولار لإنقاذ القطاع المصرفي طرحت للتصويت أمس، يبذل المسئولون الأوروبيون جهودا حثيثة لوضع خطة تمنع الأزمة من الانتقال إلى مجموعة فورتيس المصرف الأول في بلجيكا والثاني في هولندا.
ومجموعة فورتيس التي تعمل فيها 85 ألف موظف، تثير مخاوف كبرى بعد انهيار أسعار أسهمها في البورصة خلال الأيام الأخيرة وورود شائعات تفيد بأنها تواجه مصاعب مالية.
وقال وزير المالية البلجيكي ديدييه ريندرز أمس الأول لشبكة «آر تي إل - تي في اي» البلجيكية الخاصة «أجريت اتصالات كثيرة مع زملائي في دول مثل لوكسمبورغ وهولندا وفرنسا وكذلك مع البنك المركزي الأوروبي» من اجل «تكوين نظرة دقيقة للوضع والاطلاع على المصاعب التي تواجهها دول أخرى أيضا».
وتتولى فرنسا الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي فيما يتزعم رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر مجموعة وزراء مالية دول منطقة اليورو.
وقال ريندرز: «كل الاحتمالات مطروحة اليوم على صعيد البحث عن دعم للقطاع».
ويدعو الأوروبيون منذ أشهر إلى تعزيز التعاون بينهم على صعيد مراقبة القطاع المالي غير أنهم لم يحققوا حتى الآن سوى خطوات متواضعة بهذا الصدد وهم يواجهون منذ أمس الأول صعوبات مالية فعلية، إذ طالت الأزمة بشكل مباشر مجموعة مالية أوروبية.
نشطت السلطات البلجيكية والهولندية طوال عطلة نهاية الأسبوع لمعالجة هذه مشكلة مجموعة فورتيس المصرف الأول في بلجيكا والثاني في هولندا؛ إذ عقدت عدة اجتماعات طارئة بين البلدين في محاولة لإنقاذ المصرف.
واندلعت أزمة القروض العقارية صيف 2007 في الولايات المتحدة وكانت كلفتها على هذه المجموعة باهظة حتى الآن، إذ وصلت إلى نحو 2,1 مليار يورو خلال العام 2007 والنصف الأول من العام 2008.
وتراجع سعر أسهم المجموعة البلجيكية الهولندية أكثر من ثلث قيمته خلال الأسبوعين الماضيين وسط مخاوف في السوق بشأن ملاءتها. وتتزامن هذه المصاعب مع سعي المصرف إلى إتمام صفقة شراء قسم من منافسه الهولندي «إيه بي إن آمرو» ولجمع الأموال الضرورية لإتمام العملية البالغة قيمتها 24 مليار يورو.
ونفى رئيس مجلس إدارة «فورتيس» هيرمان فيرفيلست (الجمعة) الماضي، وجود أي مخاطر إفلاس من دون أن يكون مقنعا. وبعد ساعات تمت تنحيته من مهماته التنفيذية ليكون بذلك ثاني مسئول يتم إقصاؤه من هذا المنصب في اقل من ثلاثة أشهر.
وتأمل السلطات المصرفية في التوصل إلى تسوية لهذه المشكلة بحلول مساء أمس الأول قبل بدء أسبوع جديد من المداولات في البورصة صباح أمس وقد انخفضت قيمة سهم «فورتيس» بنسبة تفوق 20 في المئة (الجمعة) الماضي، وإذا استمر هذا التراجع فقد يثير حركة ذعر بين الزبائن الذين سيقبلون على سحب أموالهم.
وقال ريندرز: «إن كل سبل الحل مطروحة للبحث»، فيما تحدثت الصحافة أمس الأول عن عملية شراء كاملة أو جزئية لمصرف «فورتيس» من قبل مصرف منافس، موضحة أن المجموعتين الفرنسية بي إن بي باريبا والهولندية إيه إن جي هما في أفضل موقع للقيام بمثل هذه الصفقة.
ومن الحلول الأخرى المطروحة الحصول على ضمانة رسمية قد تكون عبر عملية تأميم، غير أنه لم يصدر بعد أي تأكيد رسمي لأي من الحلول.
ويخشى في حال انهيار مجموعة «فورتيس» أن تكون مقدمة لسلسلة انهيارات لمؤسسات مالية ومصرفية وأن تنتقل الأزمة المالية الأميركية لتعم أوروبا بأسرها.
وأعلن وزير المالية في لوكسمبورغ لوك فريدن، أن بلدان «بينيلوكس» (بلجيكا وهولندا ولوكمسبورغ) حيث تتركز عمليات «فورتيس»، مستعدة لتقديم المساعدة من خلال شراء قسم من أسهم المجموعة في حال لم تتم عملية شراء. وقال فريدن لتلفزيون لوكسمبورغ «ثمة احتمالان مطروحان: الأول أن يشتري مصرف أجنبي المجموعة بالكامل أو أن تشتري الدولة حصة فيها». وأضاف أنه في حال لم تتم عملية الشراء فإن «حكومة لوكسمبورغ ستتولى شراء حصة كبيرة في فورتيس كما ستقوم الحكومتان البلجيكية والهولندية بالامر نفسه».
وذكرت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، أن مصرف بي إن بي باريبا قد يشتري «فورتيس». وكتبت أن «مفاوضات سرية استمرت طوال عطلة نهاية الأسبوع وقد تثمر في الساعات المقبلة».
وكانت وسائل الإعلام البلجيكية أوردت في وقت سابق أن المصرف الفرنسي العملاق ومنافسه الهولندي إيه إن جي يتصدران الجهات المرجحة لشراء «فورتيس»، لكنهما يطالبان بضمانات من الدولة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الخزينة (وزارة المالية) البريطانية أن الحكومة البريطانية ستقوم قريبا بتأميم مصرف برادفورد بينغلي المتخصص في القروض العقارية، ما عرضه مباشرة لأزمة القروض المشكوك بتحصيلها.
وتراجعت اسهم المصرف البريطاني في الأسابيع الماضية وسط مخاوف من تكرار عملية تأميم مصرف نورذرن روك التي جرت في وقت سابق هذه السنة إثر أزمة مالية حادة.
كما تعقب هذه الأزمة اتفاقية تم التوصل إليها في وقت سابق من هذا الشهر وتقضي بشراء مجموعة لويدز تي بي إس لمنافستها إتش بي أو إس.
وفي الوقت نفسه، أفادت صحيفة «فايننشال تايمز دويتشلاند» الألمانية، أن مصرف «هايبو ريل استيت» المتخصص في القروض العقارية على شفير الإفلاس
العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ