تقول الأنباء إن الإدارة الأميركية بعثت رسائل إلى 11 دولة عربية هي مصر وسورية والأردن واليمن ولبنان بالاضافة إلى دول مجلس التعاون الست، تطلب فيه تحديد موقف هذه الدول من الانضمام إلى الحملة العسكرية على العراق، وذلك في غضون شهر من تاريخها.
طبعا قبل تناول كيف ستتعامل الدول العربية مع هذه الرسائل، وما إذا كانت سترد عليها سلبا أو إيجابا، أو تهملها، فإن ما يسترعي النظر هو أسلوب التعامل نفسه، الذي أقل ما يوصف به بأنه ينطوي على سلوك دوني تجاه هذه الدول.
فالأصل أن القضايا الكبيرة مثل الحرب والسلام، يستلزم لتحديد الموقف منها، أن تتشاور الدول عبر زعمائها أو مبعوثيها الذين لا يقلون عادة عن مستوى وزير فما فوق. وهكذا جرت العادة، حتى بالنسبة إلى الحروب والقضايا الأقل شأنا وأثرا، فكيف الحال بحرب ينظر إليها بوصفها ستغير خريطة المنطقة السياسية.
لعلنا نتذكر جيدا تلك الحركة الدؤوب التي باشرتها ادارة الرئيس جورج بوش الأب للمنطقة غداة حرب الخليج الثانية، عبر وزراء الدفاع والخارجية، وقتها ديك تشيني وجيمس بيكر ومسئولين أميركيين آخرين من مستويات رفيعة. فضلا عن زعماء ومسئولين من دول المنطقة ذهبوا إلى واشنطن لتنسيق الجهود والإدلاء بآرائهم في ترتيب شئون تلك الحرب.
فما الذي حدث كي تستبدل الولايات المتحدة الأسلوب المتعارف عليه، برسائل تبعثها بالطرق الدبلوماسية، أي عن طريق السفير المقيم في هذه الدولة أو تلك، لطلب تحديد موقف من الحرب، وأن يربط ذلك بمهلة، يجب على هذه الدولة أن تقول خلالها رأيها، وكأنه ليس مهما هذا الرأي في الأساس، أو هو من قبيل تحصيل الحاصل؟.
لابد أن في الأمر تغيرا جوهريا. لكن إذا استبعدنا ظروف وملابسات السياسة الأميركية بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ ايلول، وما تلاها من حرب أفغانستان ومطاردات لا تعرف الهوادة لتنظيم «القاعدة» والجماعات الاسلامية المرتبطة به أو القريبة منه، فإنه يمكننا أن نجد تفسيرا لذلك الأسلوب من التعامل، في طبيعة الحرب التي ستشن على العراق نفسها. ونقصد بذلك نوعية القوى المطلوب حشدها في المنطقة كي تشكل مظلة أو غطاء للحرب.
وهنا لابد أن يستوقفنا أن الإدارة الاميركية لم تبحث جديا أيا من المخاوف أو وجهات النظر العربية، بل بدت وكأنها لا يهمها ما يقوله العرب، وما لا يقولونه، كما يغيب أي حرص على إشراك العواصم العربية في بحث أي شأن له علاقة بتلك الحرب.
التركيز الأميركي كله منصب على القوى الإقليمية، غير العربية في المنطقة، ونقصد بذلك تركيا و«اسرائيل» وايران. هذه الدول هي التي يقصدها المبعوثون الاميركيون للتفاوض معها عن شئون الحرب والسلام، وفيها يتم بحث المطالب والأثمان والمخاوف والتصورات المستقبلية. فكأنما الإدارة الأميركية حزمت أمرها، في الاعتماد على هذه الدول في حربها المقبلة وتهميش الدول العربية والصوت العربي.
في هذا الاطار تتردد الأنباء عن حركة سياسية ودبلوماسية أميركية كثيفة، بعضها يحاول أن يقنع تركيا بدخول الحرب ليس مباشرة وإنما عبر توفير القواعد والدعم اللوجستي للقوات الأميركية، وفي الوقت نفسه إلزامها بمقاومة الإغراءات الداخلية بالاستيلاء على أجزاء من شمال العراق، تزعم تركيا أنها أراض تابعة إليها منذ أيام العهد العثماني.
ومقابل ذلك تتعهد الولايات المتحدة بضخ مساعدات كبيرة في اقتصاد تركيا وإسقاط ديونها الخارجية، والعمل على معالجة مخاوفها من قيام دولة للأكراد في شمال العراق، والتوسط لدى دول الاتحاد الأوروبي لضمان قبولها عضويتها في المدى القريب.
أما «اسرائيل»، فإنه يجري ضمان حيادها كي لا تفسد طبخة الحرب. وفي الوقت نفسه تطبيب خاطرها من خلال التعهد بعدم السماح بانطلاق أي صاروخ «سكاد» عراقي على مدنها، وذلك عبر استيلاء القوات الأميركية مباشرة على غرب العراق، لحرثه شبرا شبرا بحثا عن هذه الصواريخ وتدميرها، بالاضافة إلى اعطاء الدولة العبرية هامشا من الرد في حال نجح العراق في ضربها، بغية رفع معنويات مواطنيها وجيشها، فضلا عن رزمة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية.
وما يحدث مع تركيا و«اسرائيل» يحدث أيضا مع ايران، هي الأخرى يتوقع أن تكون لاعبا أساسيا في مسألة تقرير نجاح الحرب المقبلة، وحرص الاميركيون مبكرا على فتح قنوات اتصال معها عبر طريق ثالث، بهدف ضمان عدم تدخلها السلبي عبر مساندة أو تشجيع الشيعة على السيطرة على الوضع في العراق. وفي مقابل ذلك يتم بحث الافراج عن أرصدتها المجمدة منذ أيام الثورة، ووعود بإعادة العلاقات الأميركية الايرانية، والاحتفاظ لطهران بدور ما في تقرير مستقبل العراق.
بعد ذلك هل يوجد شك في أن طريقة التعامل الاميركية بالنسبة إلى العرب فيما يتعلق بحرب العراق إنما تعكس حقيقة المستفيدين والخاسرين من هذه الحرب. بمعنى أن الرسائل تبعث إلى الخاسرين، أو المتوقع خسارتهم، لأن حضورهم أو غيابهم لا يشكل هاجسا كبيرا، في حين يتم الجلوس مع الرابحين، وسماع وجهة نظرهم وأخذ مخاوفهم وقلقهم في الاعتبار، فمشاركتهم لها قيمة وقد تكون حاسمة من بعض الوجوه. وربما هذا هو المغزى من وراء التصرف الأميركي الأخير.
بقي أن نذكر أن معظم الدول العربية التي وصلتها تلك الرسائل سترد عليها بالرفض المبرر أو التجاهل، في حين ستوافق أربع دول عربية على الأقل على المشاركة في الحرب
العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ