العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ

مرحلة مجانين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الهجوم على الزورق العسكري الاسرائيلي قبالة شاطئ غزة هو الثالث في أسبوع بعد عملية حافلة الركاب في القدس والكمين ضد مجموعة جنود في الخليل.

الرد الإسرائيلي باعادة احتلال الضفة وفرض الحصار البحري على قطاع غزة ليس جديداعلى الشعب الفلسطيني الذي يمر بمحنة تهدد وجوده في المناطق التي قيل أنها المساحة السياسية للدولة الموعودة بحسب الاتفاقات التي وقعت في السنوات العشر الماضية.

وحتى يمكن وضع المسألة في اطارها الصحيح لابد من قراءة برنامج ارييل شارون الذي على اساسه انتخب رئيسا لتكتل الليكود واختير على رأس حكومة ائتلافية قادت سياسة التطرف والعزل منذ مطلع العام 2001.

رفع شارون شعار كسر الانتفاضة الفلسطينية في مئة يوم. وجاء على رأس حكومة متطرفة لا تقبل بكل ما وقعته الحكومات السابقة من أوراق مع القيادة الفلسطينية. واستندت استراتيجية شارون على مجموعة ذرائع أبرزها فشل السياسات الأمنية لحزب العمل بسبب هشاشة مواقفه وضعفه وعدم قدرته على مواجهة الانتفاضة. اعتمد شارون على سياسة عدم التراجع والهجوم الوقائي وتحميل السلطة بشخص ياسر عرفات مسئولية ما يحصل في الضفة والقطاع والأراضي المحتلة في العام 1948. حدد شارون العنوان (ياسر عرفات) وحدد المشروع (العنف الشامل ضد أي عمل عسكري محدود).

قامت استراتيجية شارون على سياسة البندقية. فالشعب الفلسطيني، برأيه، ليس جاهزا للتفاوض أو التعايش. والحل هو في استكمال سحقه وتدميره وكسر ارادته واستخدام القوة للرد على أي عمل صادر عن مجموعة فلسطينية ضد السلطة مباشرة. فعرفات، برأي شارون، يتحمل مسئولية أي عمل أمني يحصل في فلسطين حتى في تلك المناطق التي تخضع للاحتلال أو هي تقع ضمن نطاق الأمن الاسرائيلي.

إلى هذا النهج العسكري حدد شارون المدة الزمنية: مئة يوم وتكون السلطة انتهت أو الانتفاضة توقفت. ومال الناخب الاسرائيلي إلى الليكود. وأعطى شارون ثقته للتخلص من مشكلة شائكة لم ينجح حزب العمل في التعاطي معها وتدارك تداعياتها. وتصادف وصول شارون إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية صعود جورج بوش الابن إلى رئاسة الادارة الأميركية. رافعا بدوره شعارات متطرفة تريد الانتقام من سياسات سلفه بيل كلينتون. ومرت الأيام. مئة يوم، مئة أخرى، ومئة، وأخرى، ووصلت الأيام إلى 600 انهارت خلالها الحكومة الائتلافية وخرج حزب العمل من السلطة، وانهار حزب العمل وهو الآن يحاول اعادة انتاج سياسة مستقلة تعيد الاعتبار لقوة تقليدية أسهمت في تأسيس الدولة العبرية. مقابل ذلك اضطر شارون إلى تعديل الاستراتيجية وإعادة النظر في بعض مفردات مشروعه من دون أن يغير المظلة الأمنية التي تبرر بقاء حكومته في السلطة. حتى جرعات الدعم الأميركية لم تسعف شارون في استراتيجية البطش العسكري. حتى ضربة سبتمبر/أيلول وتداعياتها الدولية والاقليمية وانحياز بوش الأعمى لكل ما هو اسرائيلي وشاروني لم تنجح في كسر ارادة شعب يرزح تحت الاحتلال منذ نصف قرن وأكثر. مع ذلك لا يجد شارون أمامه سوى سياسة الهروب الأمني إلى الأمام وتكرار الكذب على شعبه بأنه هو الوحيد القادر على كسر الانتفاضة وايقاف العمليات العسكرية من طريق القوة الفالتة من كل الضوابط والاعراف والقوانين.

المشكلة على كل كوارثها ومصائبها اليومية ليست هنا في فلسطين. المشكلة الحقيقية هي في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بأسلوب استبدادي لا يرى للحق سوى وجه واحد هي التي تحدد ملامحه.

طرحت القيادة الفلسطينية الرسمية فكرة معقولة قياسا لتلك الأفكار التي تم تداولها وتطبيقها في البوسنة وكوسوفو وأفغانستان. طالبت القيادة الفلسطينية معاملتها على السوية نفسها التي تم التعامل بها مع القضايا الساخنة الأخرى وهي تشكيل قوة حماية دولية بإشراف أميركي ترسل إلى الخطوط الفاصلة بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. رفضت واشنطن الفكرة وأحبطتها. اعادت القيادة الفلسطينية طرح فكرتها معدلة وهي ارسال مجموعة من المراقبين الأميركيين للإشراف على الأمن وتحديد مسئولية الطرف الذي يخرقه ورفع التقارير إلى مجلس الأمن لاتخاذ التدابير المناسبة بشأنه. وكررت واشنطن رفض الفكرة المعدلة وأسقطتها.

أميركا، كإسرائيل، لا تريد حل المسألة. فمصلحتها ان تبقى المنطقة في حالات اضطراب وعدم استقرار حتى تبرر واشنطن دورها كوسيط منحاز للمشروع الإسرائيلي. ويبدو أن ابقاء المنطقة على درجة معينة من التوتر يفيد الاستراتيجية الأميركية في الفترة المقبلة وتحديدا بعد أن حصلت على تفويض من مجلس الأمن بشأن العراق. وبهذا المعنى وجدت واشنطن في شارون حصانها المفضل... وهو أفضل من حزب العمل لخدمة استراتيجية أكبر من حجم فلسطين.

حزب العمل قليل العقل بينما شارون يمكن وضعه في خانة المجانين. والمرحلة المقبلة تتطلب أكبر كمية من المجانين وأقل كمية من العقلاء. وهنا بالضبط تكمن المأساة الحقيقية للشعب الفلسطيني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً