العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ

المسئول في الإدارة العامة ليس ملكا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الثقافة السياسية الحالية توحي لبعض المسئولين بأن لديهم حصانة مطلقة وان ذاتهم غير قابلة للمس. هذا على رغم ان الدستور ينص بصراحة على ان الذات الملكية تخص عظمة الملك، وهذا أمر متبع منذ أكثر من الفي سنة، منذ ان شرعت الدولة الرومانية القوانين لمعاقبة «جريمة المساس بالعظمة». ولكن حتى الرومان كان واضحا لديهم ان المساس بالعظمة لا يعني ان الإنسان العادي ليس له حق مساءلة الأشخاص الاخرين الذين يعهد اليهم إدارة الشئون العامة.

بعد ألفي عام من حسم الحوار في روما يبدو أننا مازلنا لم نحسمه في بلادنا البحرين. فالموظف العام (من وزير ومدير ومحافظ ومسئول كبير أو صغير) ليس ذاتا ملكية ومساءلته لا تعني «المساس بالعظمة» بأي حال من الأحوال. وهذا الأمر محسوم على المستوى النظري ومدون دستوريا.

ولكن المشكلة ان الواقع العملي يختلف تماما. فالوزير والمدير والمسئول والموظف يعتبر ان مساءلته أو طرح السؤال عليه بطريقة لا تعجبه أو تغطية حدث ما بأسلوب معين «مساس بعظمته» هو، وبالتالي فإنه يلجأ لأساليب عدوانية ويستخدم منصبه الوزاري أو الإداري لمعاقبة أي مواطن وأي صحافي أو صحيفة على مساءلته. ولعلنا نقع في الإشكال نفسه الذي وقع فيه الأوروبيون عندما كانوا في العصور الوسطى المظلمة. إذ كان الاقطاعي يعتبر الناس الموجودين في اقطاعه خدما وعبيدا و ليس لهم الحق في رد كلمة له أو سؤاله عن أي شيء كان.

وهكذا بعض المسئولين الذين يحوّلون دوائرهم إلى «منطقة اقطاعية»، ويعتبونر الموظفين في تلك «الاقطاعية» عبيدا وخدما و أناسا بلا حقوق. أما الشخص الذي يتجرأ ويسأل عن شئون تلك الإدارة، فإنه يتدخل في الشأن «الاقطاعي» الداخلي لمملكة خاصة، وهذا التدخل يعتبر «مساسا بالعظمة» لذلك الشخص. ويستغرب المرء كيف ان ذلك الإنسان العادي قبل فترة من الزمن يصبح مسئولا في مكتب ما، وإذا به ينظر إلى ذلك المكتب وكأنه إقطاع وينظر إلى غيره تماما كما كان ينظر الاقطاعي في عصور الظلام لغيره.

على ان الاقطاع لم يستفد من عدم المساءلة ولم يحقق ديمومة لذلك الفهم العقيم. بل ان دولا عظمى مثل الصين فقدت موقعها المتصدر عالميا قبل ألف عام لأنه لم يتجرأ أحد على مساءلة القرار الرسمي. فالصينيون هم أول من صهر الحديد وشكّله قبل مئات السنين من اكتشاف أوروبا كيفية صهر وتشكيل واستخدام الحديد. ولكن السلطة العليا الصينية آنذاك اعتقدت بأن الحديد ليس مهما وألغوا تلك الصناعة وحولوا جهودهم لأمور أخرى، كإعادة بناء السور العظيم. ولم يكن مسموحا مساءلة القرار الرسمي، وبالتالي كانت الصين أول الخاسرين، فالصين هي الدولة المتطورة علميا وتكنولوجيا لمئات السنين في الزمان القديم، حتى ان الرسول (ص) كان يرشد المسلمين «اطلبوا العلم ولو في الصين»، أما بعد ذلك فأصبحت دولة متخلفة، وهي الآن تحاول استعادة قوتها التاريخية.

ونحن في البحرين، يجب ان نتخلص من عقدة «امتلاك» المنصب وعدم السماح بالمساءلة. فالمساءلة هي أهم أداة للشفافية، والشفافية هي أساس الديمقراطية. فلا ديمقراطية من دون شفافية، ولا شفافية من دون مساءلة. ومع كل ما يقال من الناحية الدستورية والنظرية، ومع وجود أناس متنورين في الإدارة العامة للدولة، الا إن الغالبية -بمن فيهم بعض المحسوبين على المتنورين والدم الجديد- يخافون الانفتاح الإعلامي ويحذرون منه ويأمرون موظفيهم بعدم الانفتاح على هذه الصحيفة أو تلك.

إن هذه الممارسات غير ديمقراطية ولا تنفع هذا المسئول أو ذاك حتى لو اعتقد بأن المنصب الذي لديه طويل الأمد، فزماننا أصبح خاضعا لظروف عالمية جديدة، وكلها تدفع باتجاه المزيد من الديمقراطية من أجل التنمية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً