العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ

مناطق الحوار في الحرب والسلام

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله...»

وقال: «وأنا أو اياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين...» صدق الله العلي العظيم.

في إطار الدعوة الكريمة التي وجهتها لي أسرة «الوسط» الفتية في عمرها لكنها الرصينة والعميقة في جذورها وما تمثل من وسطية في المنهج والعقيدة للكتابة بشكل دوري في صفحة أهل الرأي والرأي الآخر أحببت ان أبدأ عهدي مع هذه الأسرة النبيلة بالدفاع عن رأي ومنطق لطالما عزّ عليّ ان أجده يقع مظلوما في زحمة وتزاحم الأفكار والآراء في مختلف أقطارنا العربية والإسلامية ناهيك عن مظلوميته في المعادلة الدولية الظالمة أصلا ألا وهو منطق الحوار وضرورة سيادة هذا المنطق في عالم صراع الأفكار والمدارس والمناهج أيا تكن الظروف والملابسات.

أعرف ان الحديث عن منطق الحوار في ظل ظروف الظلم الدولي الراهنة أمر غير مستساغ لدى الكثيرين، لكن أقطارنا ومجتمعاتنا بل وقوة منطقنا وعدالة قضيتنا بحاجة إلى منطق للحوار مع كل من هو «آخر»، وأظن ان بيت القصيد في فلسفة الحوار القرآنية هو اشهار منطق الحوار مع الذين يرفضون منطق الحوار بالذات، باعتبار ان ذلك ليس فقط لا يقلل من شأن موقفنا الذي يفترض اننا متأكدون من أحقيته، بل وبدعمه بسلاح جديد يضاف إلى أسلحة البراهين الكثيرة التي يفترض ايضا اننا نمتلكها.

إن أي متأمل عميق لآيات القرآن الكريم التي تتناول موضوعات الحوار وما أكثرها، يستطيع الاستنتاج بما لا يدع مجالا للشك بأن المنطق الحواري الذي يقدمه هذا الكتاب السماوي (الرباني) الخالد، انما يؤكد هذه الحقيقة.

ابتداء من الحوار مع ابليس «الشيطان الأكبر» مرورا بالحوار مع فرعون الطاغية الأكبر، وصولا إلى الحوار مع «الآخر» المختلف مع المنطق التوحيدي سواء من أهل الكتاب أو غيرهم ممن تمايزوا أو اختلفوا أو لم يقتنعوا مع منطق خاتم الأنبياء والرسل. وهي مستويات مختلفة ومتعددة ومتميزة للحوار يغلب عليها منطق فتح باب السعي من أجل اكتشاف الأوجه الكاملة للحقيقة المطلقة المتمثلة في الله سبحانه وتعالى وهو الكمال المطلق الذي لا ينقصه شيء ولا يزيد عليه شيء.

والسؤال الآن هو: إذا كان صاحب القدرة والمشيئة المطلقة والذي يملك استطاعة ان يقول للأشياء: «كن فيكون» قد استنفر منطق الحوار بالشكل الذي يعرضه علينا في كتابه الحكيم، فبأي منطق ترانا نحن البشر الضعفاء نصر على مقاومة مثل هذا المنطق الرفيع؟

وحتى نخرج الموضوع من دائرة الشبهة فورا، ونغلق الطريق أيضا على من يريد استغلال المنطق التسامحي للرسالة الإسلامية من أجل فرض الاستسلام علينا نقول: إن منطق الحوار وهو ضرورة مبدئية، لا يتغير بتغير الظروف والحوادث كما لا يعني من قريب ولا من بعيد، التخلي عن سائر مبادئنا الحنيفة الأخرى. فالذي علمنا منطق الحوار علمنا أيضا منطق المقاومة ومنطق عدم الرضوخ للظالم أو الانصياع لإملاءاته وقراراته التعسفية وبالتالي فنحن لا نحاور استجداء لمطلب حق ولا نحاور انطلاقا من موازين تفرض علينا الحوار بسبب موقفنا الضعيف في هذه المعادلة أو تلك من معادلات القوة الاقليمية أو الدولية، بل نحاور دوما إيمانا منا بالحوار كمبدأ ثابت كما أسلفنا باعتباره جزءا لا يتجزأ من منطق البحث عن الحقيقة وارتقاء سلم الكمال. وهذا يختلف عن منطق «المفاوضات» و«التسويات» و«الحلول الوسط» وما إلى ذلك من مصطلحات قاموس السياسة والسياسيين الذي ليس هنا مجال مناقشته لأن له سياقه، وله مستوياته في البحث والتحليل، وله آلياته ومنطقه الذي لا يجوز خلطه مع منطق المبدأ العام للحوار وان كان جزءا منه.

وهنا أيضا ينبغي التوقف قليلا للتفريق بين «المتفاوضين» و«السياسيين» وبين أرباب الحوار الجادين فنقول ليس كل من جلس إلى طاولة المفاوضات «مفرِّط» بالمبادئ بالضرورة، كما انه ليس كل «مفاوض» داعية للحوار والسلام بالضرورة ذلك لأن منطق الحوار الذي نتحدث عنه منطق متكامل بل منظومة فكرية متجانسة نعتمد في آليتها البحث عن الحقيقة والسعي للكمال. وليس طمس الحقائق واقتناص الفرص للنيل من الآخر.

وفي هذا السياق لابد من ذكر الحديث الشريف الذي هو خير منار لنا في منطق الحوار الذي نتحدث عنه، بحثا عن الحقيقة والحق.

والحديث عن رسول الله (ص) انه قال: «اللهم أرني الأشياء كما هي! أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه».

وهو حديث يفيدنا نحن المثقفين والإعلاميين والساسة حاكمين أو محكومين ونحن نبحث اليوم حائرين متحيرين عما يجري حولنا من حوادث في إطار زحمة من الصراع والتضاد من جهة ومنطق التحالف والتآلف من جهة أخرى.

وحده التسلح بهذا المنطق القوي السليم يمنحنا قوة الاقناع في ميدان السلام كما في ميدان الحرب، في معالجة ملف معقد ومتداخل ومتشابك ومشوش مثل «الارهاب» كما في معالجة ملف واضح وشفاف وصريح مثل ملف فلسطين.

وأي منطق آخر، سيُفضى بنا إما إلى حرب مجنونة عدمية كما في أفغانستان أو العراق على سبيل المثال وإما إلى مفاوضات عبثية تدور في حلقة فارغة ومفرغة من الحقيقة كما في فلسطين.

اللهم ارزقنا قوة البصيرة قبل البصر حتى نعلم حقيقة الأشياء كما هي أولا ومن ثم ارزقنا قوة التمييز بين الحق والباطل بحق دينك العظيم

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً